
وإذا كان هناك من عيوبٍ للفيدرالية فمزاياها أكثر من عيوبها، وإن كان للنظام الوحدوي البسيط من مزايا فعيوبه أكثر من مزاياه، فقد كانت بعض الدول بسيطة جدًا كالبرازيل والمكسيك وحينما تخلَّت عن النظام الوحدوي الذي فشل في كثيرٍ من الدول وقامت بتشكيل حكومات داخل الحكومة الاتحادية، وعادت للفيدرالية استطاعت النهوض بل إنَّ الولايات المتحدة الأمريكية بدأت بالكونفدرالية بين 13 دولة، ثم تطوَّرت للفيدرالية وعادت الأرجنتين والإمارات والعشرات من الدول الفدرالية الناجحة، وأصبح العالم السياسي يتجهُ نحوها كقبلةٍ أولى، وبالنظر لليمن اليوم وبعد أن فشلت فشلاً ذريعـًا في نظام حكم الوحدة الاندماجية الذي أفضى إلى المركزية واستحواذ السلطة والثروة في يد مجموعة من المتنفذين على حساب الشعب والوطن، مما أدى إلى التخلف عن مواكبة العصر في شتى المجالات التنموية ولعقودٍ طويلة.
وعلى الصعيد نفسه ظلَّت كثير من حكومات الدول العربية ومن ضمنها الجمهورية اليمنية تنتهج المركزية، مما أدى إلى الاستبداد، وحينما كانت الشعوب تخرج للمظاهرات والاحتجاجات تقوم تلك الحكومات بنثر فتات من وعودها للشعب بمنحه تفويضـًا للمحليات واسعة الصلاحيات أو كاملة الصلاحيات وبعد أن تهدأ تلك الثورات الشعبية تقوم الحكومة بإلغاء تلك التفويضات لتعود تدريجيـًا إلى المركزية والاستبداد وهكذا، ولأنَّ الصراع في العالم هو صراع سلطة وثروة، فمن البديهي جدًا أن تكون هناك طبقات وفئات من أصحاب المصالح الشخصية والمتنفذين واللصوص الذين يرون في الفيدرالية كابوسـًا ينتزع منهم تلك المصالح والأرباح، ويتعارض مع استمراريتها وهي التي تراكمت عبر سنوات من المركزية؛ لأنَّ ذلك سيحدُ من عبثهم واستبدادهم واحتكارهم للوظيفة العامة، ونهبهم للمال العام، ومن هؤلاء المعارضين للفيدرالية في اليمن الطبقة الوسطى من المتنفذين، وكذلك بعض رجال المال والأعمال والموظفون الكبار ومشايخ القبائل وبعض كبار ضباط القوات المسلحة، وتأتي أكثر الفئات رفضـًا للفيدرالية هي تلك الطبقة الأكثر تأثيرًا للمركز القبلي الديني، التي تتشارك مع الدولة في الثروة والسلطة، فنراهم اليوم يتباكون ويذرفون دموع التماسيح على حائط مبكى الوحدة، بذريعة أن الفيدرالية هي الانفصال الذي سيقسم البلد إلى عدة أقاليم، وتارةً أخرى ينادون باللامركزية، وهم لا يعرفون أنَّ النظام الواسع أو الكامل الصلاحيات هما خطوة أولى نحو الفيدرالية، ولذلك سيكون الوضع بدون الفيدرالية في اليمن قابلاً لكل خيارات التشظي أو على مشارف حرب جهوية في الجنوب أو طائفية في الشمال - لا سمح الله - ولذلك فمن المتوقع أنْ تدفع بعض دول الجوار للفيدرالية باليمن باعتبار أن زعزعة أمن البلاد والفوضى وعدم الاستقرار سيشكل تهديدًا صارخـًا لتلك الدول، فضلاً عن جهود ستبذلها كثير من الجهات الخارجية المعنية بحل الأزمة اليمنية، إضافة إلى موقف الأغلبية الصامتة حتى الآن، مما يبشر بأنَّ كل الطرق ستؤدي للفيدرالية في اليمن، ولعل ذلك سيتطلب من جميع المكونات والأطراف اليمنية تقديم تنازلات كبرى لهذا المشروع وتغليب المصلحة الوطنية فوق كل المشاريع الصغيرة والشخصية، لأنَّ الوطن أكبر من صغار السياسيين ومن كبار اللصوص.