كانت علامة كارثة ها هي تتكاثر بكوارثها كل يوم على القضاء واستقلاله والبلد واستقراره، ولا نعرف لماذا غاب دور المجلس الأعلى للقضاء، وقد سكت حسّه وزاد صمته في ملمات ضربت قضاء مصر، وأهمها وأخطرها هي نازلة تعيين ضابط الشرطة السابق والمستشار الحالي طلعت عبد الله نائبًا عامًّا، وهي النازلة التي نزل المجلس الأعلى للقضاء فيها عن علوّه كثيرًا حين تنازل عن حق القضاء والقضاة وحق الوطن، وسكت عنها.
أربعة تقريبًا من أعضاء المجلس سوف يحالون إلى التقاعد بعد أقل من تسعين يومًا، فلماذا يا ترى لا يرفعون أصواتهم فوق كل صوت رفضًا قاطعًا لانتهاك استقلال القضاء والقفز على أحكامه، وأن يجلس على مقعد النائب العام ويزاملهم في المجلس مستشار «مع احترامنا لشخصه، فليس بيننا وبين شخصه حاجة»، هو في حقيقة الأمر مسجل خطر سياسيًّا على البلد، ومسجل خطر على استقلال بل واستقرار القضاء بطريقة تعيينه وطريقة ممارسته لعمله، وبالطريقة التي يتعامل معه بها وكلاء ورؤساء النيابة، وبالطريقة التي رفضه بها قضاة مصر بجملتهم وبجلالهم ما عدا نفرا نافرا.
المؤسف للكثير أن يكون أمل الناس في مجلس القضاء واهيًا إلى هذا الحد، وواهنًا إلى هذه الدرجة، في أن يقفوا حائلًا بين الإخوان وافتراسهم للقضاء، ومانعًا بين السلطة وتغوّلها على القضاة، وحصنًا للدفاع عن أهمية مهمة ومسؤولية النائب العام التي تستوجب أن لا يكون محلًّا للشبهات، وأن لا يكون مطعونًا في صاحبه ولا مطعونًا في حيادية المنصب.
ثم يتأسَّف هؤلاء المتأسّفون من صمت يشبه رضا الشاهدين على الوطء، وبطء في معالجة الأمر يشبه التواطؤ!
لا أعرف هل شملت العمرة التي ذهب إليها عدد من أعضاء المجلس ما تشمله العمرة لكل معتمر، التجرّد من كل تمسّك بتلابيب الدنيا والتسليم لله بالأمر من قبل ومن بعد، والتقوى بالله أمام كل سلطة ومتسلّط، والعزم والتوكل على العدل الصمد، فهو حسبنا ووكيلنا، فإن كانت العمرة لله فهي مقبولة، وإن كانت العمرة لله فهي تفرد ظهر المنحنى، وترفع رأس المنكفئ، وتصلب عود المستضعف، وتشد عزم مَن ارتخت عزائمه، وتفك لجم الدنيا على القلب، وتحرّر من تعلّق بجاه ووجاهة.. إن ماء زمزم لم يجف بعد عن وجوه وسواعد المستشارين المعتمرين، فهل يعمل المعتمر بعمرته؟