بل هو أهم مشهد في السيناريو الذي يتسارع إيقاعه قبل ثلاثين يونيو.
اجتماع هو الأول من نوعه لضباط الشرطة في ناديهم أول من أمس، علامة فارقة على التغيير الحقيقي الذي بدأه رجال الشرطة المصرية في مواجهة الأخونة والاستبداد.
إنه اجتماع أشبه باجتماع انتخابات نادي الضباط في الجيش المصري قبل شهور من ثورة يوليو.
الشرطة المصرية تكاد بهذا الاجتماع -وبالالتزام بقراراته طبعا- تحوِّل عيدها من خمسة وعشرين يناير إلى يوم انعقاده.
أولا: هو ميلاد نقابي لضباط الشرطة، أي وجود هيئة معبِّرة عنهم حريصة على مصالحهم محددة لتحركهم جامعة لرؤيتهم موحدة لخطواتهم وأهدافهم، وهو أمر يعني نقلة مركز القوة في الداخلية من ديوان الوزارة وأوامرها إلى الجمعية العمومية لستة وثلاثين ألف ضابط يصنعون القرار أو يشاركون في صناعته.
ثانيا: أن الاجتماع قرر العودة إلى الأصل وإلى الأصول، أن الشرطة هيئة مدنية محايدة غير مسيَّسة وليست أداة في يد الرئيس وحكومته ضد شعبه ومعارضيه، بل هي أداة المجتمع كله في ضبط الأمن وتطبيق القانون.
هذا يعنى بوضوح يقظة مدهشة وهامَّة عند الشرطي المصري ضد سفالة الحكم المعتادة في استغلال قوة البوليس المنظمة لضرب وإجهاض معارضيه وشعبه، لهذا يبدو وضوح الرؤية عند الضابط المصري الآن في تمامه، حيث الشرطة فعلا في خدمة الشعب لا في خدمة حاكم أو حزب حاكم أو جماعة متسلطة.
ثالثًا: أن هتافات الضباط في الاجتماع كانت «يسقط حكم المرشد»، مما يشي بأن الضابط من حيث هو مواطن كذلك يرفض هيمنة جماعة سرية دولية غير وطنية (بمعنى أنها عابرة للجنسيات والوطنيات ولا يتم تعريفها أبدا بأنها جماعة مصرية، ثم هي تسمح بأن يكون رئيسها غير مصري)، ويجعل هذا الهتاف بُوصْلة الشرطة واضحة ناحية الدولة المدنية، لا دولة الملالى ووُعَّاظ السلاطين.
رابعًا٬: تَأمَّل معي تعبيرات البيان الصادر عن الاجتماع الذي حضره آلاف من الضباط لتدرك أن الشرطة ببصيرة واقعية تلمس ضخامة ثلاثين يونيو وشعبية حضوره واتساع المشاركة فيه.
«نحن نحترم القانون، ولن نعمل إلا من خلاله، وسنحافظ على هيبته، وندافع عن الشعب، ونحمى المنشآت الحيوية والشرطية فقط، ولن نؤمِّن أي مقرات حزبية أو سياسية أيًّا كانت انتماءاتها».
ثم يقول الضباط في فقرة تالية بفضيلة الاعتراف بالأخطاء: «لقد عاهدنا أنفسنا أن لا نكرر أخطاء الماضي، فالشرطة هي شرطة مصر دولةً وشعبًا.. كما نتعهد بأن لا نرفع أي عصا أو سلاح في وجه أي متظاهر سلمى، وأن نلتزم الحيدة الكاملة، ولن ننجرف إلى دهاليز السياسة، ونطالب كافة الأطياف السياسية والشعب بأن يعاونونا على ذلك، وأن يحافظوا على أمن مصر».
بل إن الشرطة، وهى تواجه محاولات الإخوان لبثّ الذعر في قلوب الناس قبل ثلاثين يونيو، تضمّ هي الأخرى مطالبها الواضحة لصف المطالب الشعبية فتقول:
«إن كشف غموض مصير الضباط وأمين الشرطة المخطوفين وهُويَّة خاطفيهم هو مطلب جماعي لكافة ضباط وأفراد الداخلية، حيث إن الصمت يولد الشائعات والأقاويل التي تثير البلبلة، فمن حق أُسَرهم أن يعلموا مصيرهم.. حيث إن التباطؤ في كشف ملابسات خطف الضباط الثلاثة وأمين الشرطة وغيرها من الجرائم الإرهابية هي المقدمة الحقيقية للانفلات الأمني الصارخ في سيناء، وآخرها اغتيال البطل الشهيد محمد سيد أبو شقرة...».
تحمل هذه الفقرة إذن اتهامًا مباشرًا بالتباطؤ في الكشف عن إرهابيي سيناء الذين يقفون وراء خطف وقتل الضباط، مما يجعلنا نشعر بالنار التي تشتعل في قلوب ضباطنا حين يرون قيادة البلد السياسية تتدخل لتعطيل ولإفشال جهودهم للكشف عن القتلة ومطارَدة الإرهابيين.
لا يوجد ضابط مصري يرى ويعيش مع هذا إلا ويؤمن أنه لا يمكن للشرطة أن تحمى من يخونها، بل ويخون البلد.