وهناك مؤشرات مهمة تمنحها لنا الانتخابات الطلابية، التى ينتصر فيها أتباع الحركات السياسية المعارضة، ليبرالية ويسارية وإسلامية غير إخوانية، يمكن ذكرها على النحو التالى:
1 - درجة الوعى: فكلما زادت المعرفة بالشأن العام، أو تعززت الثقافة السياسية، انحسر المؤيدون للتيارات الدينية عامة والإخوان خاصة، فمع الواعين من الصعب أن تحقق الدعاية والادعاءات المتمسحة بالإسلام نتائج كبيرة، لاسيما بعد أن اكتشف الجميع الهوة السحيقة بين القول والفعل أو بين الخطاب والممارسة عند الإخوان، وكيف صار الدين لديهم مجرد أداة للتعبئة الاجتماعية والحشد وجذب الأصوات وليس جوهر عملية اجتماعية مغايرة للسائد والمتاح. ومما يدعو للأسف أن شعبية الإخوان تتراجع بين المتعلمين على خلاف من خطابهم المتمسح بعقيدة ومعاملات «أمة اقرأ».
وهذا معناه أن قوى المعارضة لو بذلت جهدا عريضا وعميقا فى تعزيز الوعى السياسى عند طبقات المجتمع المصرى وفق خطة مدروسة تعتمد على علاقات «الوجه للوجه» فإنها قد تحصد نتائج مبهرة فى كل الانتخابات المقبلة، محلية أو برلمانية أو رئاسية.
2 - مستوى التجانس: فطلاب التيارات المدنية والمستقلين خاضوا الانتخابات وفق قوائم محددة ومتجانسة، فحرموا نظراءهم الإخوان من جنى ثمار توحدهم المنظم والصارم، والذى كانوا يربحون به فى الماضى اعتمادا على أن منافسيهم متشرذمون يناطح بعضهم بعضا، فتتشتت أصوات أنصارهم بينما تذهب أصوات أنصار الإخوان إلى أسماء مرشحيهم فقط، ولذا طالما ربحوا رغم أنهم أقلية فى الأوساط الطلابية. وهذا يعطى درسا بليغا للقوى السياسية المعارضة التى طالما كانت تخوض غمار الانتخابات وهى منقسمة فتستفيد من تناحرها القلة ذات التنظيم الحديدى.
3 - الجيل الجديد: فنسبة مناصرى الإخوان فى صفوف الأجيال الجديدة من اليافعين والشباب أقل منها فى الأجيال الأكبر سنا، ورغم أن الجماعة نشطت عقب وصولها إلى السلطة فى تجنيد مزيد من الأعضاء فإن إخفاقها فى إدارة الدولة قد أثر سلبا على صورتها وبالتالى على قدرتها فى تحقيق هذا الهدف. وهذا الوضع يعطى أملا عريضا للقوى المدنية، نظرا لأن التركيبة السكانية لمصر يغلب عليها الطابع الشبابى، الأمر الذى جعل عدد مَن لهم حق التصويت فى الانتخابات يصل إلى 52 مليون تقريبا فى الاستفتاء على الدستور خلال شهر يناير الماضى بعد أن كان 46.5 مليون فقط فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية فى مارس 2011. وهذا معناه أن نسبة الشباب فى الحجم الكلى للمصوتين ستزيد بمرور السنين، ليتقدم جيل ليس للإخوان نصيب كبير فيه قياسا على ما كان فى الماضى. وهذه فرصة جيدة على المعارضة أن تنتهزها، وتبدأ من الآن فى بناء شبكات اجتماعية حقيقية لجذب الأجيال الجديدة.
4 - مقدار النزاهة: فالانتخابات الطلابية، شأنها شأن انتخابات النقابات والأندية، تتسم بالنزاهة مقارنة بالتشريعية أو حتى الرئاسية، فابتداءً تتضاءل قدرة المرشحين على تزييف وعى الناخبين أو التلاعب بعقولهم وشراء أصواتهم بثمن زهيد، كما تتوافر شروط السلامة من حيث دقة جداول الناخبين وحياد المشرفين على عمليات التصويت والفرز أو تحييدهم، ووجود رقابة صارمة من المرشحين وأنصارهم على سير العملية الانتخابية. وهذا يعطى درسا بليغا لقوى المعارضة ويفرض عليها أن تناضل فى سبيل تحقيق هذا القدر من النزاهة فى الانتخابات العامة، بدءا من تنقية الجداول الانتخابية حتى عملية الفرز، وقبل كل هذا تكافؤ الفرص بين المتنافسين.
5 - ملء الفراغ: فقبل الثورة كانت الانتخابات الطلابية تزور بحرمان معارضى السلطة من خوضها أو تجميدها وتعيين أعضاء الاتحادات، وكانت طاقة المعارضين والغاضبين والحانقين تصب دوما فى مجرى التعاطف مع طلاب الإخوان، بعد أن ضُرب اليسار وتراجعت شعبيته بفعل سياسات السادات وتراخى أغلب قادته فى عصر مبارك عن النضال من أجل استعادة ما سحب من تحت أقدامهم. أما اليوم فإن القوى المدنية تمكنت من أن يكون لها أنصارها وسط الحركة الطلابية، وتمكن هؤلاء من أن يحوزوا ثقة زملائهم فى وقت سريع، مستفيدين من انعكاس الوضع العام للإخوان على طلابهم.