غادر باحميش الى الحبشة وكان في الحادية عشرة من عمره وقضى اربع سنوات وعاد الى عدن ومعه تحويشة متواضعة مكنته من فتح متجر صغير إلا أنه نزع الى العلم فباع كل ما عنده وشد الرحال الى مصر للدراسة بالجامع الأزهر عام 1931م ومكث هناك سبع سنوات وعاد الى عدن حاملا معه الاجازة العلمية والشهادتين الاهلية والعلمية.
وبعد عودته من قاهرة المعز عام 1938م عينه الشيخ علي محمد عمر بازرعة مديرا لمدرسة بازرعة الخيرية الإسلامية وأحدث الشيخ باحميش نقلة نوعية كبيرة في المدرسة حيث ادخل مناهج دراسية مواكبة للتعليم في بلاد عربية مثل مصر وادخل اللغة الانجليزية ولضمان نتائج ممتازة استجلب لها عددا من المدرسين من داخل عدن وخارجها.
كما تميزت مدرسة بازرعة في ظل ادارة الشيخ باحميش بطفرة نوعية بادخال نشاطات ابداعية وميدانية، حيث شهدت المدرسة قيام المسرح فيها وعين له مدرسون متخصصون، كما نشطت المدرسة في المجالين الكشفي والصحافة المدرسية وبرزت فيها اقلام طلابية الى جانب الفنون.
باحميش رجل الصحافة
أصدر الشيخ علي باحميش صحيفة «الذكرى» عام 1948 وعكست توجهها المعروف بانطلاقاته الدينية والسياسية ولم يكن الشيخ باحميش متزمتا في اتجاهه وافكاره وساعده في تحريرها الاستاذ احمد عوض باوزير.
تعرضت «الذكرى» لحملات قوية من صحف يسارية وتوقفت عام 1950م وبعد عام واحد (1951) أصدر صحيفة «العدني».
باحميش رجل الإذاعة:
ترك الشيخ علي باحميش بصمات بيضاء في ارث اذاعة عدن منذ افتتاحها عام 1954م وكان يقدم موضوعا دينيا ثقافيا كل اسبوع بالاضافة الى قيام اذاعة عدن بنقل خطبتي وصلاة الجمعة من جامع العيدروس بكريتر.
كما سكنت الذاكرة عبارة «أنا علي محمد باحميش قاضي عدن الشرعي» وهو يعلن عن رؤية هلال رمضان وهلال شوال.
باحميش صاحب التلاوين الصوفية!!
كان الشيخ علي باحميش يشد السامعين ويأسر اهتمامهم واسماعهم وهو يخطب فقد كان- رحمه الله- واسعا في اطلاعاته الدينية والسياسية والثقافية والتاريخية بالاضافة الى حنجرته الذهبية وملكته في الخطابة الماراثونية وكنت تسمع صوته ينخفض وفجأة يرتفع وهو ينوع استفساراته وكان- رحمه الله- صاحب صوت شجي يعطي للمناسبة جلالها في الاحتفالات الدينية العامة وخاصة في ذكرى الاسراء والمعراج أو المولد النبوي، وكان المستمع يتعلم منه قواعد اللغة العربية والبلاغة والبديع.
باحميش رجل الحلقات والمقارعات:
جند الشيخ علي باحميش نفسه لخدمة المجتمع في جوانب اللغة والدين ولم يبخل بمعرفته وطاقته وعلمه في سبيل ذلك.
وشهدت له ابرز المساجد في عدن بانه كان صاحب الحلقات العلمية والتعليمية ومنها جامع العيدروس وجامع العسقلاني (بعد نزوح الشيخ البيحاني الى تعز عام 1972م) وجامع أبان وجامع مذيهب.
كما عرف عن الشيخ باحميش بانه رجل مقارعات في مجال الرأي والرأي الآخر وكان يسجل ملاحظاته وطروحاته اما في مواضيع صحفية او إذاعية او في خطبه في المساجد او في الاحتفالات العامة، وسجل طروحاته ضد الشيخ احمد محمد العبادي وتلميذه الشيخ محمد سالم البيحاني الكبوادي في احد كتبه لانه كان يرى نفسه من المجتهدين وكان كذلك فعلا.
باحميش يفضل خيار الموت على السكوت:
لا يختلف اثنان في شجاعة الشيخ باحميش وحصافة حججه ولا يخشى في ذلك لومة لائم وكان دائما ما يعلن عن ذلك في مرافعاته المنطوقة او المقروءة او المسموعة، الأمر الذي ازعج النظام الشمولي بعد الاستقلال فوجهوا له رسالة عبر آخرين ووضعوه بين أمرين احلاهما مر وهما: السكوت او الاسكات؟ فاختار الثاني. وفي يوم 11 أكتوبر 1977م اسند النظام الى احد عتاة المجرمين اسكات الشيخ باحميش فرابط له بعد خروجه من بيته ودهسه بالسيارة أكثر من مرة ونقل الى المستشفى وهناك فاضت روحه الطاهرة وصعدت الى ربها شاكية له ظلم العباد ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون وأخذ المجرم جزاءه في الدنيا وله في الآخرة عذاب السعير.
رحم الله شيخنا الجليل الفاضل العالم علي محمد باحميش ولا نامت عين للظالمين!.