ومن المفارقات العجيبة نـجــد الفنانين اليمنيين الكبار والمبدعين(يصرخون ويستغيثون)
عبر وسائل الإعلام المختلفة بـاحـثـيـن عن الـدواء..العـــلاج.. وما يكفل متطلبات أسرهم وأولادهم في حياة كريمة وعيشة مستقرة أمنة ما تبقى من العمر، حالة البؤس والحزن والمرض ما وصل إليه مبدعونا العظماء الذين أسعدونا بالفرح والمحبة والبهجة وأضاءوا حياتنا بالنور والأمل والنغم الصافي الجميل فأين حقوق هؤلاء المبدعين الكبار(المهدرة سنين من الدهر) في ظل غياب وضرورة إيجاد وبناء جهاز يقوم بتنفيذ آلية بنود ونصوص قانون حماية حقوق المبدعين المادية والأدبية والفكرية وحق الأداء العلني.. فهل نأمل في قادم الأيام مصداقية وزارتي الثقافة والإعلام في القيام بذلك الدور الحيوي والإنساني في المقام الأول المناط بهما وبما ينسجم مع (المتغيرات المأمولة) التي يشهدها الوطن..سؤال ملح هام يفرض نفسه على طــاولة وأجــندة حــكومة الوفــاق..؟!
أمــا فيــما يخــص شركــات الإنتاج اليمنية في وضــعنا الراهن (ســوق الأغنــية) فحدث ولا حرج من فوضى وقرصنة وعشوائية إضافة إلى ما أشرنا إليه سلفاً من (نهب وسرقات فنية) مع ملاحظة قيامها بعملية السطو والسرقة محلياً مستخدمة بعض الأدعياء وأشباه الفنانين من يمارسون ذلك الفعل والسلوك المعيب (للفن وأدبياته الأخلاقية والمهنية)،ولعمري تلك هي المصيبة الكبرى...؟!
كما أنها تفـتقر في عالم صناعة الأغنية ( إلى كل المقومات الفنية / التـقنية / المهنية / الحرفية وكل مايتـعلـق (بأنظمة الصوتيات والتوزيع الموسيقي المتقن المدروس)، ومازالت في العصور الحجـرية (تستخدم العـود والصحن وطابور الإيـقاعـات)،مستغنية عن الآلات الحديثة المتطورة والتوزيع الموسيقي العلمي المنهاجي ذلك من وجهة نظرها (مافــيش له داعي)، ضاربة عرض الحائط مكانة وسمعة وتاريخ الأغنية اليمنية، فالمسألة بالنسبة لمنطقهم التجاري (كسب مربح مريح وسريع) وبطبيعة الحال تلك ثـقــافــة ووجهة نظر شركات الإنتاج اليمنية في (سوق الأغنية) ومن (يحتكرها) في اليمن دون منازع...؟!
وفي حقيقة الأمر لا يختلف الوضع والحال كثيراً إذا ما نظرنا لما يحدث وما نشاهده يبث في الفضائيات اليمنية في وقتنا الراهن من خلال متابعتنا للبرامج الثقافية والسهرات الفنية المختلفة التي ليست لها أي صلة وعلاقة بقدسية وماهية ورسالة الفن والإبداع المرتكزة على عناصر الكلمة واللحن والأداء والفرقة الموسيقية والتوزيع الفني وديمومة ومواصلة ومواكبة المشروع الغنائي الموسيقي الحـداثــي والتجديـدي..، ما نـراه سائــداً عـبارة عـن فــنان من فصـيلة (فـشــفــشي يعرف كل شي ) يأخـذ أغاني غــيــره من الفنانين الكبار الـرائـجـة والمشهورة يستــفيــد مادياً ويتكسب من ورائها دون مراعاة أدبيـة أو أخلاقـية أو إدراك لقيمتها الإبداعية والتاريخية بالإضافة لذلك عدم قيامه بمجهود البحث عن المصدر الأساسي والأصلي للأغنية وأهميته في تقديم الكــلمة واللــحن و الإيقاع والنــغم السـليـم والأخذ بعين الإعتبار جـدية الاشتغال على ضرورة إتقان مخارج الألفاظ فيما يتخلله ويحتويه النص الغنائي، كل تلــك الكــــوارث والمــصائب تنــزل عـلى رؤوسنا كــلما ســمــعناه ( يــغــنـي ) وصــاحــبــنا (الفـشـفـشـي) مايراجع حاله محجوز ومشغول مافـيــش عـنده وقـت يكــلف نفــسه بالرجوع والعودة إلى التسجيل الأساسي في الأرشيف الذي قام بتوثيقه الفنان الأصلي للأغنية المطلوبة مـنذ زمـن طـويل في مكتبة الإذاعة والتلفزيون (العــدنــي) .. ذلك الفعل الخارج عن المسئولية والوعي المتمثل في السلوك العابث والفوضوي هو ما يقوم به الفنان الناشئ والمتطفل ويصل إلى المتلقي من خلال الفضاء الكوني المفتوح..، ومن وجهة نظري تلك هي الجريمة الفنية الفادحة في عملية تشويه وتسطيح وطمس معالم وملامح ومذاق وهوية الأعمال الفنية الأصلية لجيل الريادة والتأسيس والخلق والإبتكار، ويمكننا العودة إلى السهرات الفنية التي تؤكد المشهد العبثي العدمي والشيطاني الذي يتجسد بصورة فنان وإلى جانبه (طقم مكون من 16 عازف إيقاع).. وكأننا في أجواء وطقوس الغابات الإستوائية الأفريقية لا نسمع إلا ضجيج وصخب الإيقاعات المدوية المزعجة والتــفنـن في أساليب وطرائق التـلوث السمعي والبصري وكل ما يخاطب الغرائز الحسية والجسدية فأصبحت المسألة (هـــوشـــليــة) في أجهزة الإعلام الرسمية والمفتوحة وحالات هيستيرية .. وأستوطنت وتصدرت (مخادر) هذا الزمن القبيح والرديء قنواتنا الفضائية وغابت وأنعدمت المعايير والمقاييس الإبداعية بشكل وبطريقة فـــجـة مـستفزة لا تخدم تاريخ الغناء اليمني وسمعته ومكانته المرموقة.
ما يحز ويؤثر في نفوسنا وضمائرنا أن الخطاب الإعلامي الرسمي والمسـتقـل والمعارض التلفزيوني والإذاعي الصحفي والفضائي اليمني لم يـسـتطع القيام بالدور الفاعل الـمؤثـر والمأمول في رسالته الموجهة لكافة فئات وطبقات الشعب وفقاً للمتغيرات المحلية والإقليمية والدولية ولاتزال أساليبه وآليته التنفيذية تفـتـقـد للمعالجات والرؤى الجادة والأفكار المتجددة التي ينبغي ويجب أن تتطور وترتقي وتنهض بالعديد من المشاريع والقضايا الهامة في حياتنا على مختلف الأصعدة والنواحي: ثـقافـياً / فـنيـاً / سيـاسـياً / تعليـمياً / إقـتصادياً / إجتـماعـياً / وإيـديولـوجـيـاً .. عليه أن يحث الخطى في مواكبة طموحات وأمال وأحلام وتطلعات الجماهير الغفيرة والعريضة .. ولعل من أبرز أولويات مهام الدولة المدنية الحضارية الحديثة الإرتقاء بلغة الحوار المتداول في مسارات متناغمة ومتعددة الوجهات وتفعيل الخطاب الرسمي بما ينسجم وطبيعـة وخصوصية المرحلة السياسية الراهنة التي ينبغي أن تـتـسـم بالوضوح والشفـافيـة والمصداقيـة لـتلبـية إحتياجات ومقتضيات نبـض الأمــة..هذه قراءتنا التي تؤكد أن النظام السابق لا يزال يفرض هيمنته ونفوذه على مقدرات وخيرات وثروات الوطن حتى هذه اللحظة ويـديـرها وفـقـاً لثقـافتـه العسكرية القـبلـية المتغطرسة القمـعية.. علينا التخلص من الذات السلطوية وعدم الإنصياع لتـنفـيذ مخططاتها ورغباتها التي تتجسد في الإصرار على سياسة الـدس وحيــاكة المؤامرات بين أبناء الشعب اليمني في سبيل ديمومة البقاء والتشبث والسيطرة عــبر أتبــاعــها على مقــاليــد الســلطــة والحـكم.
ختاماً
تصوروا ( يـبــــاع) الإنتاج الغنائي الموسيقي لفنان بحجم وتجربة وخصوصية وتاريخ محمد سعد عبدالله ويتم شراؤه من قبل إحدى شركات الإسطوانات والكاستات اليمنية الــمعروفة بمـبلغ زهــــيـد (500 ألف ريال يمني فقط)... يابلاشاه؟! ذلك ما حدث ويحدث منذ زمن طويل لمبدعينا الكبار الذين تساقطوا كأوراق الخريف تحت وطـأة المعاناة والقهر والإهمال والتغييب والجميع يقف متـفرجاً صامتاً يسمع ويشاهـد فــداحة وبشـاعة هذه الجرائم التي تدمي القــلوب.
رحــم الله (بــن سعد) وزملاءه من رواد الغناء في اليمن عاشـــوا فـــقراء ومـــاتوا لا يــملكــون إلا رصيــدهــم الفـــني الــراقـــي والخــالـــد.