أوليس ما يحدث هذا فعلاً ؟؟
ففي كل صباح تتسابق العناوين وتكتظ على صدور الصحف وكل منها يبحث عن السبق وشد القارئ إليه عن طريق صياغة ذلك المانشيت العريض أو لونه و حجمه ، وقد قام بحشو معناه بكل أنواع المتفجرات العصبية تعبيراً عن فضاضة ذلك الحدث أو بشاعته ، مما يتوجب - اعتقاداً لدى البعض - أن يظهر كما يبدو عليه في صدور عدد من الصحف !!
اللافت للنظر أن الغالبية العظمى لتلك اللافتات الصحفية الرئيسية العريضة هي عناوين لأخبار أو أحداث سلبية أو كوارث جسيمة وكل ما يقشعر له البدن من مصائب..
وهنا أعاود التأمل قليلاً في أهمية مثل هذه العناوين النارية في زيادة طبع كمية النسخ وتهافت القراء عليها وأهمية ذلك بالمقابل على مستوى سير الصحيفة وانتشارها .
ولعل ذلك الأمر هو الفيصل - كما أظن - بالنسبة للقائمين على أي صحيفة أو مطبوعة . من خلال ذلك نستنتج ان القاعدة الواسعة من القراء هم من يدفع الصحافة للتركيز على مثل تلك العناوين السلبية التي تتحلى بها أغلب الإصدارات . حتى أنك قد يراودك الشك انه لو كان هذا العنوان مكتوباً بغير هذه الطريقة لما قبلتْ أنت على اقتناء نسختك لهذا النهار !!
وهل لي أن أدعوك ولو لمرة واحدة فقط أن تتخيل أن عنواناً بهذا الحجم في صدر هذا العدد يحمل خبراً ساراً عن زيادة نسبة الناتج الوطني أو التصدير ، أو قيام الحكومة بافتتاح أحد المشاريع الحيوية - رغم ندرتها - أو تكريم عدد من الخريجين أو المبدعين، بل وحتى عن حالة الطقس الجيدة التي ستعم البلد خلال هذا اليوم أو الأسبوع .. وغيره..
وخلاصة ما نستنتجه - منذ أعوام وأعوام - أن جانب المعاناة والحوادث والكوارث والمصائب المتتالية هي عنوان دائم لحياتنا اليوم ولا شيء سواها ، حتى انغمسنا حتى النخاع في الحسرة وفقدان كل أمل يقود للتفاؤل ولو للحظات في كل يوم .
وإذا كنا نحن البشر مـن يصنع تلك الأحداث السيئة ، فلم نتاجر ونتفاخر بنشرها والترويج لها ولمرتكبيها ؟ في حين أن هنالك من امكانيات الصحافة والإعلام ما يفوق الوصف لإبراز الجوانب الإيجابية والجميلة في حياتنا ، والتي ربما تساعد في تهذيب النفس وإعادة تشكيل وعي وثقافة الغالبية من المجتمع ، وبث روح الوئام والتفكير في غدٍ أجمل يمكن اسهام الجميع في صناعته بدءاً من رواد الكلمة والقلم واللون والنغمة والداعية رجل الدين والمدرسة والأُسرة على حدٍ سواء ..
إن أكبر نعمة يجب تذكرها أننا لازلنا أحياء على هذه المعمورة ، نتحرك ونعمر ونفكر ونمرح ، وعجلة الحياة مستمرة ، ولا ينقصنا سوى استبدال ( زيت التبريد ) المحترق بعصارة نقية من الآمال وطاقات التفاؤل التي لا تلوث بيئتنا وتؤدي إلى ظهور مثل تلك العناوين المأساوية التي نأمل أن تتلاشى في يوماً ما !!