ومنذ عقود والزمن يطوي صفحاته دون توقف وكأنه يتحاكى مع دوران تروس ساعة برج “بج بن الصغرى” الواقفة بكبرياء على ذلك المرتفع الجبلي المطل على مينائها العتيق .
ومع وداع كل عام تتجه أنظارنا نحو البحر، حيث تتعانق أضواء المدينة الساهرة بأضواء القطع البحرية العائمة من بواخر سياحية وتجارية وسفن شراعية وغير شراعية ، متراصة وكانها تستمد الحب من هذه القطعة الرائعة من الأرض المغروسة على البحر لاستقبال كل البشر من مختلف بقاع الأرض ، واستقبال كل عام جديد أطل بابتسامته للكون من هذه النقطة الزمنية المكللة بالآمال والمسماة (عدن) .
الموسيقى تتسلل الينا من تلك السفن الراسيات على صفحة الماء المنبسط على مد البصر أمامنا نترقب انقضاء الدقائق الأخيرة من كل عام ، ونغوص في ذكرياتنا من خلاله بكل أفراحها وأتراحها وما تحقق لنا من آمال ومعجزات، ولا يوقظنا خلال رحلة الذكريات تلك سوى أبواق البواخر تصدح من كل ناحية وبكل قوتها معلنة اللحظيات الفاصلة بين عامنا المنصرم والقادم المبتسم من عامنا الجديد الذي بدأ يلوح بيديه مرحباً بالدنيا وما فيها ، ينثر زهيرات ياسمين الآمال وورود الأمنيات والأحلام التي نسطرها في مثل هذه الدقائق والثواني التي لا تتكرر سوى مرة واحدة كل عام .
من هذا الميناء الذي يحتضن الزمن والناس من كل بقاع الأرض وبمختلف جنسياتهم وألوانهم ولغاتهم وطموحاتهم يبدأ العام الجديد وتنطلق نغمات الأبواق معلنة للدنيا ميلاد العام الجديد .
هكذا عرفنا “ التواهي “ ، وفيها عرفنا أنفسنا، ومددنا أكفنا للسماء ندعو الرحمن بالعطاء ووافر الخير ونعيم الأمن والأمان للأرض والإنسان ..
وكم أحزنني كثيراً الصمت المطبق الذي خيم على الجميع في اللحظات الأولى لدخول هذا العام علينا .. ولم تلامس نغمات الأبواق مسامعنا .. فالميناء أصبح مجرد بحر مالح لا معنى له بعد أن هجرته البواخر والسفن وأصبحتْ مجرد ذكريات نتحسر عليها ، ورضخنا لقوانين تحريم الفرحة باستقبال كل عام جديد ، وتكفير كل من يتفاءل مستبشرا بالجديد القادم من الأيام والآمال .
لك أيتها المدينة الأم أزف التهنئة بهمس وحياء ، ولكِ أيتها المعشوقة أدعو من أعماق أعماقي ومع كل نغمة لنبضات الحب في خافقي ، متمنياً أن يكون هذا العام حديقة غناء للحب والتفاؤل والخير لكل أبنائك الطيبين الملتحفين لثرى سواحلك الذهبية وجبالك السمراء الأبية.