ومن تلك المعالم “ تمثال الملكة فكتوريا “ الذي كان يحتل موقعاً متميزاً في احدى الحدائق العامة الكائنة في منطقة التواهي والذي اُسميـت الحديقة بإسمه ، هذه التحفة الفنية الفريدة تم نقلها إلى المتحف العسكري بكريتر وتم اخفاؤها في الباحة الخلفية للمتحف لتبقى عرضة للتلف ومواجهة كل تقلبات المناخ والرياح والأتربة ، ومزاراً لطيور الغراب ومخلفاتها التي تلقيها مكوّنة طبقة حماية طبيعية عرفاناً لمن احضر أجدادهم الأوائل هذا النوع من الطيور من أجواء مستعمرة الهند البريطانية آنذاك.
ومع مرور زمن غير قصير على اغتراب هذا التمثال في موقعه الذي أُلقي فيه كعقوبة قاسية حـكم بها عليه بعض قادة الثورة الوليدة ، سعدنا بقرار اعادته إلى موقعه الطبيعي في حديقة فكتوريا في يونيو 2002م ليرى النور من جديد متظللاً بالأشجار المعمـرة في هذه البقعة الخضراء من مدينة عدن..
ولا يخفى على أحد اللمسات العظيمة التي وضعها الأخ الدكتور يحيى الشعيبي لإحياء محافظة عدن وإعادة الروح إليها كمدينة حضرية كان لها دور ريادي ليس على مستوى الوطن فحسب بل أمتد على طول اتساع منطقة الجزيرة العربية والشرق الأوسط ايضاً !!
وتقديراً لهذه التحفة الفريدة بادرتُ شخصياً لقيادة المحافظة أثناء وجود الدكتور الشعيبي، وبعد تواصل مع القنصل البريطاني بعدن للعمل على ترميم هذا التمثال وإعادته لشكله الأول في غابر أيامه المجيدة ، ووجدت استحساناً طيباً حينها .. ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن .. فقد تم استبدال ذلك الرجل الوقور الذي انتشل المحافظة من وضعها المزري الذي كانت عليه إلى وضع حضري يليق بمكانتها العريقة ... وعاد التدهور رويداً رويداً لكل زوايا وأزقة المحافظة ومواقعها الأثرية ، وبدأت العناكب تنسج خيوطها على كل الملفات التي تحمل المشاريع الجمالية والحضارية للمدينة بما فيها الحدائق والمتنفسات وحتى مشاريع المجسمات الميدانية وغيرها وغيرها .. وتراجعت أوضاعنا من جديد لنتباكى على أبسط تلك المنجزات التي تحققت في زمن قصير وقياسي ونعود لأدنى من ذلك مثل الكهرباء أو الماء وحتى الطرقات والنظافة ايضاً.
وأنا هنا لا أشكك أو أستنقص من الدور الكبير الذي تبذله قيادة المحافظة الحالية أبداً ، ولكن أتحسر فعلاً حينما نتذكر أنه قد تجاوزنا هذه المرحلة في الأيام القليلة الماضية وقد امتلأت مخيلة كل منا آمالاً لمستقبل المحافظة وكأنها تخطو حثيثاً لتسمو إلى مستوى بعض العواصم العربية.
وقد لا أبالغ إذا تلفظت بأصعب من ذلك - وهو واقع الحال لدى السواد الأعظم من أبناء محافظة عدن - أن الأمل يكاد أن يتلاشى فينا حتى يموت ليحل محله القول المتداول لدى البعض : “ الذي لم يعجبه فليخبط رأسه في الجدار “ !!
ولكي لا نخبط رؤوسنا بالجدار - وهذا طبعاً ليس بالمنطق - نرجو أن تتفهم قيادة المحافظة بعض الأوضاع المتردية، وإعادة النظر في كثير من قضايا المحافظة كمدينة لها خصوصيتها ، ولها ما يميزها عن بقية مدن ومحافظات البلد، من خلال ايلاء جزء من الاهتمام ببعض هذه المعالم التاريخية في عدن وكذا العمل بكل جهد لإعادة الوجه الحضاري لها بمختلف الجوانب كالاهتمام بإعادة التشجير وتوسعة المساحات الخضراء وبذل بعض الجهد للارتقاء بالجانب الجمالي والحضري وتكثيف الرقابة على مدخولات المحافظة المالية وعدم هدرها في بنود ومسميات تخدم أشخاصاً لا يتجاوز عددهم العشرات وتحرم المحافظة وأبناءها من حلم العيش على صعيدها باستقرار وراحة بال وشعور متجدد بأن الغد يبدأ بناؤه من اليوم ومن الآن تحديداً ، ولم يعد بمقدورنا الانتظار أكثر من ذلك .. !!