ورحمة بسيدينا ابراهيم وإسماعيل -عليهما وعلى نبينا وبقية اخوانهم من الانبياء صلاة الله وسلامه- لم يمض سبحانه وتعالى ذلك الامر الجلل، بل فدى الطائع بذبح عظيم، ومن هنا شرعت الاضحية التي جاءت أيضاً مخالفة لهوى النفس ورغبات الشيطان الرجيم، الذي حاول أن يثني أبا الانبياء عن مسعاه، ولكن هيهات، فقد كان ابراهيم عليه السلام أمة لوحده، بل هو خليل الرحمن.
لا نطالب الناس في تلك الايام بالتضحية على هيئتها الشرعية والمتمثلة بالذبح تقرباً لله عز وجل، فبالإضافة الى غلاء سعرها، وقلة مرتبات الموظفين، فإن الضائقة المالية الناتجة عن الازمة التي مرت بها بلادنا، جعلت الغالبية في حل من هذه الشعيرة العظيمة... ولكن اليمنيين اليوم ليسوا في حل من المقصد الاسمى لها، فقد نعجز عن التضحية بالأضاحي من الأنعام، ولكننا مطالبون للتضحية بشهواتنا ورغباتنا حتى نحقق تلك الغاية الجليلة.
جميع اليمنيين مطالبون شرعاً بالتضحية بكل ما يعمق الخلافات، وينكأ الجروح، ويدعو للتشطير والابتعاد عن وحدة الارض والإنسان... نعم فالأضحية التي أقامها الناس ليست فقط ذبح الهدي وإتباع ذلك النسك الجليل، ولكنها أيضاً طريق لإشاعة التسامح والإخاء والمودة... ومن هنا فإن تضحيتنا بخلافاتنا القديمة تعبيد لطريق الوئام الذي نحن سائرون فيه.
الحوار الوطني هو الذي ينبغي أن نضحي من أجله بكل شيء، فما نحن فيه من أزمات حقيقية ومفتعلة، لا سبيل لحلها سوى التضحية بالمغانم التي يحرص عليها كل من تولى سلطة، ويظن أنها باقية، مع أن صاحب السلطة نفسه الى زوال.
من اليسير جداً أن نعمق الخلافات، فالشيطان لعنة الله عليه، قادر مع جنوده من الانس والجن، على خلق الصراعات وتصوير الحق باطلاً والباطل حقاً.. ولكن الله سبحانه وتعالى وهبنا العقل الذي نفرق فيه بين الحلال والحرام، وبين ما تشابه علينا، ولهذا فما من عاقل يفضل أن نمضي في طريق الغي والضلال، ذلك الطريق المؤدي الى تمزيق الامة اليمنية بعد وحدتها، وطغيان العداوة بينها بعد أن ساد التسامح.
ما علينا إلا أن نجاهد أنفسنا على تغليب المصلحة العامة، على سواها من المصالح الشخصية، فكل مصلحة شخصية ينفرد صاحبها بغنيمته وفائدته لنفسه، ويحرم منها الآخرون، هي مقيتة عند الله ورسوله وسائر الناس... فالتضحيات التي قدمها وما زال يقدمها اليمنيون، ينبغي أن تتوج بلقائهم معاً ليشكلوا سوياً مستقبلهم، وفق الحقوق والواجبات والمواطنة المتساوية التي تجعل الجميع تحت طائلة القانون،ولقد كان الشيخ عبد الرحمن عبدالله مكرم إمام وخطيب الجامع الكبير بالحديدة -في خطبة العيد محقاً- حين أنذر المتخلفين عن الحوار، وشبههم بأنهم كالمغردين خارج السرب الوطني، فنحن بحاجة ماسة الى منابر ايمانية تدعو وتنادي للحوار الوطني، وتشجع على الانخراط فيه، لما فيه من مصلحة عظيمة للشعب اليمني، التواق الى دولة يتساوى فيها الجميع تحت مظلة النظام والقانون.
إذا كنا نشكو من الجور فلا جور أكثر فظاعة من التناحر، وإذا كان الفاسدون قد استأثروا بأقوات الشعب، ففساد الرأي والاحتكام الى الهوى أشد، لأن عواقبه لا تقتصر على قائله فقط بل يعم فساده السواد الاعظم من الشعب.
نحن مدعوون الى التضحية، والتضحية هي من رجال عزموا على التغيير، فالتغيير ليس كلمة تقال، ولا خروجاً واعتصاماً في الشوارع، بل هو نية صادقة في اصلاح كل ما اعوج من حالنا، وبطبيعة الحال لا يصلح الاعوجاج باعوجاج اكبر منه.. فما علينا إلا مقاومة النفس وتطويعها على تقبل الآخر ورأيه مهما كان مخالفاً لرأينا.. فالوطن يتسع لكل رأي يرى صاحبه أنه سيعود بالنفع على الامة اليمنية على اختلاف مشاربهم السياسية ومذاهبهم الدينية، وتنوعهم الثقافي.. فلنضح بخلافاتنا من أجل نجاح مؤتمر الحوار الوطني.