هل نسيتما صاحب هذه العبارة؟ قالها صديقي العزيز، المصري المعجون بطين مصر، ودونتها في مقال «مصر على مفترق الطريق»، نشر في 11 فبراير 2011 ، بعد أن أجبرت الثورة الشعبية الرئيس حسني مبارك على التنحي عن الحكم.
لو أحببتما، يمكنكما قراءته من جديد في الرابط ادناه.
قرأت المقال اليوم من جديد ووجدت أن مخاوفه حينها قد تحققت اليوم . وأن الحالمين اصبحوا فعلاً الخاسرين. الم اقل لكما أنه في كثير من المواقف اظهر بعداً في النظر.
كأنه كان يستقرئ المستقبل، اليس كذلك؟
اليوم نقف معاً، ننظر من جديد إلى مصر، تعانق محبتها قلوبنا، نتبعها قلقين وهي على مفترق الطريق.
بالأمس اتصلت به. اردت أن اسمع رأيه فيما يحدث الآن في مصر. وجدته قد حسم أمره. سافر إلى مصر قبل عدة أيام وصوت لأحمد شفيق. قالها لي ببساطة: «أحمد شفيق لا يستطيع أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء. مصر تغيرت شاء أو أبى. والتغيير الذي حدث فيها يتجه إلى مسار ديمقراطي».
أما محمد مرسي، يضيف المصري الصديق، فـ«نحن في تناقض جوهري معه. معركتنا مع الإخوان المسلمين، التي يمثلها مرسي، معركة وجود. وجود الدولة المدنية من عدمها».
ولذا الخيار بالنسبة له ليس «محل فصال» و «لا يحتاج إلى تبرير»: «إما دولة مدنية أو دولة دينية». أنا في المقابل أرى أننا نقف بين خيارين، سيئ وأسوأ. لكن الأسوأ يهدد الأساس المدني للدولة بأسرها، يعدنا بسيناريو الثورة الإيرانية التي تحولت من شعبية إلى إسلامية. نفس السيناريو.
ثورة شعبية، تحالفت فيها القوى اليسارية والليبرالية مع القوى الدينية. ثم انقلبت بعدها القوى الدينية على حلفائها بعد أن تمكنت من الدولة!
ولأننا نحلم بدولة تحترم الإنسان، بغض النظر عن دينه وجنسه وفكره، دولة توفر لنا مواطنة متساوية، فإنه لا مجال للتردد هنا.
يجب أن نقف حاسمين ضد الخيار الأسوأ. ليس هذا وقت التردد. ليس هذا وقت التخاذل. هو وقت المواقف الحاسمة. وموقفي واضح صريح ضد مرسي. لا لمرسي، إذن. لا لمرسي.
بنفس النسق، فإن الاكتفاء بقول «لا لمرسي» لن يجد نفعاً إذا قررنا مقاطعة الانتخابات. يجدي كثيراً.
لأن اللعبة السياسية بدأت، وهي ستتواصل أردنا أم لم نرد. فالأحرى إذن أن نؤثر فيها بأصواتنا. وإذا اكتفينا بالمقاطعة، فالإسلاميون يعملون بشكل منظم ويحشدون طوال الوقت لمرشحهم مرسي. إذا قاطعنا فإننا نترك لهم الساحة خالية. إذا قاطعنا فإننا في الواقع نقول نعم لمرسي.
ولأننا لا نعيش في عالم مثالي نختار فيه أفضل من نتمناه (مرشحي كان ولا زال البرادعي) فإن علينا أن نؤثر في مسار هذه العملية السياسية، وأن نحولها إلى مسار نقدر أن نتحكم فيه، وهذا يعني، أخشى أنه لا مفر من ذلك، أن نقول «نعم لشفيق».
ويعلم الله أني أقول هذا وأنا مشفقة مما أقول.
لأن شفيق يمثل، كما قلت من قبل، خياراً سيئاً. هو جزء من المؤسسة العسكرية. وأنا على قناعة أن دور المؤسسة العسكرية هو الحياد في أية ديمقراطية حقيقة. وهو يعتبر نفسه جزءا من النظام السابق، ويفخر بذلك، ولذا فإنه لا يعبر في الواقع عن القناعات الإنسانية ولا الأحلام التي قامت عليها ثورة شباب وشابات مصر.
أعرف هذا.
لكن هدفه ليس تغيير أساس الدولة المدنية.
هدفه ليس تحويل مصر إلى دولة دينية.
قد يمثل صورة لنظام مستبد، لكننا نقف معه رغم ذلك على أرضية مصر المدنية.
ومعه أيضاً يمكننا أن نمارس دورنا الرقابي عليه، ونقف له بالمرصاد.
ولذا فإن ما قاله صديقي المصري يظل صحيحاً.
«شفيق لن يتمكن من إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، لأن مصر تغيرت شاء أم أبى».
التغيير الديمقراطي يمكن أن يستمر معه.
تماماً كما أن ميدان التحرير موجود.
*مع مرسي لن نتمكن من فعل ذلك. مرسي وجماعته قادران على إعادة عقارب الساعة إلى الوراء.
مرسي كلما تحدث يقول إنه يتحدث «والله معه». وجماعته تقول إنها المتحدثة الرسمية باسم الله. وإنها هي، هي فقط، ومعها السلفيون، يمثلان الإسلام. وغيرهما غير ذلك.
شيوخهم يصدرون الفتوى بعد الأخرى، «تكفر المعارضين وتتوعد الناخبين بالأثم في الآخرة والخيبة في الدنيا» إذا لم يصوتوا لمرسي!
وآلتهم الإعلامية تصف مرسي بأنه: «حامل النهضة وباني الخلافة الإسلامية الجديدة ومطبـق الشريعة وحامل الخير للمصريين جميعا، ومـنقذ فلسطين ومحرر القدس».
خلافة إسلامية، وتطبيق الشريعة، وتحرير القدس كلها أسس لفكر الإسلام السياسي الداعي إلى إنشاء دولة دينية كهنوتية.
لن يبنوا دولة مدنية بمثل هذه المبادئ. مشروع الأخوان المسلمين، أمنتكما بالله أن تفيقا، هو مشروع دولة دينية. ليس مشروع دولة مدنية.
أفيقوا .
السلطة بالنسبة لهم هي وسيلة فقط. ليست غاية. لأن غايتهم هي تغيير الدولة وتحويلها إلى دولة دينية. وهم عندما يتحدثون عن الخلافة، عن الشريعة، وعن الجهاد، فإنهم في الواقع يعنون ما يقولون.
هم يعنون ما يقولون.
ولذا فإن الفارق بين شفيق ومرسي واضح.
مع مرسي، وبعد وصوله إلى الحكم وتمكن الإخوان المسلمين من السيطرة على مفاصل الدولة ، إذا حاولنا أن نتخذ موقفا معارضاً لهما، سيحولان القضية إلى صراع بين «مؤمنين» يحاربون «كافرين».
المؤمنون هنا هم الأخوان المسلمون ومعهم اصدقاؤهم السلفيون.
أما الكافرون هنا فهم القوى المدنية السياسية.
مع شفيق إذا عارضنا، اصبحنا مناضلين.
مع مرسي إذا عارضنا سنتحول إلى كفرة وزناديق.
ولأن الأمر كذلك، فالمعركة مع مرسي وجماعته كما قال صديقي المصري، هي معركة وجود: وجود الدولة المدنية من عدمها!
نكون أو لا نكون!
صمتنا اليوم سيحسب علينا غدا. قالها لي صديقي.
والمأزق الذي نقف أمامه، بين خيارين أحلاهما مر، لا يعفينا من اتخاذ موقف.
لا بد من اتخاذ موقف.
ولأن الأمر كذلك، فإنه لا مجال للتردد.
تماماً كما أقول لا لمرسي. أقول نعم لشفيق.
وأعرف أن الكثيرين والكثيرات يشاركونني ويشاركنني هذا الرأي. لكن لأن المناخ القائم أصبح متوتراً غاضباً، يخافون ويخفن من إعلان هذه القناعة.
لا تعلنوها إذن. لكن صوتوا لشفيق. صوتن لشفيق.
فمعه، يمكن للثورة أن تستمر، رغم أنفه.