والتقت على أرضها مختلف الطوائف والجنسيات والأعراق وشيدت فيها الكنائس والمعابد والمساجد وتعايشت فيها الأديان والعقائد والثقافات، وخلقت عدن من كل ذلك عيشاً مشتركاً على قاعدة مدينة السلام عدن.
كان التنافس التجاري في عدن على أشده، والبيوتات التجارية تتسابق على استيراد كل ماهو جديد من صناعات العالم، وكل ما يتعلق بالموديلات الحديثة، كلهم يتسابقون على تحقيق الربح، وعلى قانون العرض والطلب .. وحل المزاج التجاري على أي مزاج آخر.
مدينة السلام والأحلام واللغات الأجنبية والأدب المقفى والجديد والشعر الغنائي والفن أصاب تخلف الأرياف ورمى بأسلحته خارج نطاق عدن، ولا يدخل عدن أي ذرة سلاح أو مسلحون .. فمدينة السلام كانت حقاً مدينة للمنافسة الشريفة على الربح والتجارة وليست للمنافسة على تصفية الحسابات المسلحة.
واليوم مدينة عدن تحولت إلى مدينة للدمار والاشباح والتمتع بمظاهر التسلح والعنف والشراسة وغدت عدن المدينة المسالمة والوديعة ما يشبه مدينة (شيكاغو) التي يعيش فيها عمالقة السطو والقتل والعصابات.
لم أجد مجتمعاً في التاريخ القديم أو المعاصر أبناؤه يتقاتلون في مسقط رزقهم، ومصدر عيشهم، يتقاتلون في مدينة همها الأول انتاج الربح والرساميل.
اما التصارع فله أماكن محددة وبعيدة على الأقل عن مكان لقمة العيش والغذاء للذين يعيشون من فضل عدن.
عدن لا تحتاج إلى أن يقرضها أحد، أو يمنحها المساعدة والإحسان، عدن لوحدها تستطيع أن تعين وتساعد الآخرين، فهي مركز تجاري، وميناء حر، ومنطقة حرة، يحلم الآخرون ان تكون عدن عندهم.
فهي المدرة للمال والتجارة وهي من أسست البيوتات التجارية والعائلات الارستقراطية، فلماذا يتحول دورها إلى دور الطارد للرساميل والتجار والأرباح والاستثمار ولماذا تتحول عدن إلى مدينة للسلاح والتقطع والقتل؟
انكم تقتلون الدجاجة التي تبيض ذهباً .. وتقفلون الشوارع التي لا تسبقها اية شوارع في الشرق الأوسط، وتقفلون الفنادق التي سبقت غيرها من المدن العربية، وتحاصرون الإعلام والفن الذي كان معظم الفنانون العرب يتلهفون كي يزوروا عدن من أجله والتمتع بأيام في رحابها.
لايمكن للسلاح أن يعطي تقدماً للمدينة ولا تطوراً تجارياً، أو تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية .. بل على العكس يدمر كل شيء حتى ينهيه تماماً.
أبعدوا عن عدن مدينة السلام .. واجعلوها تستعيد دورها ومركزها التجاري في هذا العالم .. لا تروعوا أهلها وكونوا محبين للسلام والأمن بل ومناصريه.
وعلى من يريدون الاقتتال أن يؤسسوا مدينة أخرى في أي موقع جغرافي يتم داخلها النزال والاقتتال وتصفية الحسابات .. وتكون هذه مثل الماركة التجارية تعلن لمن يريد الصراع المسلح مع أحد .. وان يعلنوا يوماً للنزال حتى يشاهده كل الناس على شاشات التلفزة الإعلامية .. وتكون هذه المدينة مخصصة لهذا النزال بعيدة عن عدن وعن مسقط الرزق ومصادر المعيشة.