الجدة ابتهال شطبت من حياتها مسائل مضجرة، فهي ترتب أوقات الزمن وتنظم أرشيف البيت وتضبط أوقات حفيدها.
نشاطها المبكر يبدأ من الصباح حتى المساء وتقوم بأعمال لا يقوى على فعلها عتاولة اليوم من الشباب العصري المبرمج على أجهزة العصر الحديث.
انها حقا في أوقات ابين العصيبة والمهولة يطلق عليها المرأة الحديدية، فعندما انفجر إطار سيارة ابنها اثناء وجودها بين فئتين متحاربتين نزلت من سيارة حفيدها وقامت باستبدال إطار سيارة حفيدها في ظل تراشق الفئتين بالأسلحة النارية.
وتعرف كل شيء عن محتويات السيارة وعن أعمال البساتين وكذا فن النقاش، فإذا نطقت ففي نطقها شيء من الحكمة، ولايزال ذهنها ممتلئا بالأمثال والأقوال المأثورة.
وحين يلجؤون إليها لطلب المشورة تجدها سباقة في خدمتهم، ولا يقتصر ذهنها على مسائل متعلقة بمشاكل الزواج والمصروف بل يتعدى ذلك إلى مسائل الثأر والصراع الاجتماعي الخفيف منه والثقيل فهي جابرة عثرات الكرام.
وإذا عجزت معنوية أحد الأفراد عن توصيل خبر فرعي أو جزئي لاحدى العائلات التي نكبت بقتيل أو جريح فهي أفضل من يقوم بتلك المهمة.
ويفضلها الناس في إشعار المنكوبين بأمر نكبتهم بسبب طريقتها الحكيمة في إيصال (النبأ) بطريقة لا يشعر خلالها متلقي النبأ بأي مضاعفات نفسية قد تجلب عليه اضراراً شديدة.
وفي هذه الأيام حيث المواجهات مستمرة بين المسلحين والقوات النظامية في أبين وأصوات البنادق والمدافع وازيز الطائرات لم تبرح الجدة ابتهال مدينتها ولم تفارق منزلها حتى لوقت قصير، فهي تعيش بالمعتاد من أيامها بلا خوف أو وجل.
لقد تركت الكثير من العائلات (أبين) ولجأت إلى المدن الأخرى نازحة من آثار الدمار والهلع هاربة من الخوف والدمار إلا الجدة ابتهال فما زالت في مطرحها المعهود صامدة صمود جبال السعدي بيافع.
تتعاطى مع الأحداث بروح عالية وإرادة قوية وكأن بداخلها طاقة حديدية يصعب تحملها على البشر.
سألتها مرة سؤالا مثيرا للقلق عن حالتها في الظروف القاسية في ابين وقلت لها: لماذا تجازفين بحياتك يا جدة ابتهال بتواجدك في محل الأحداث والمآسي ولماذا لا تنزحين الى عدن كبقية العائلات التي زحفت.
ردت عليَّ الجدة ابتهال وبشعور لا يختلجه الخوف والألم فقالت:
الموت واحد هنا او في عدن، في منزلي او في مكان آخر فالحياة محسوبة عند الله سبحانه وتعالى لا تزيد ساعة او تتأخر.
وما هذه الأحداث الا كالسراب سوف تمر مر السحاب ولم تزدني الا ثباتا وقوة وان الحياة في أبين سوف تعود الى طبيعتها، وسوف تجري الحياة مجراها الطبيعي.
ولا تفكر في الماضي بل تهيأ بما سيأتيه الغد وأتمنى ان يكون الغد مشرقا ومفرحا بإذن الله تعالى.