
بغداد / 14 أكتوبر / متابعات:
تعمل الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران في العراق على توسيع نفوذها السياسي وترسيخ سيطرتها على الدولة، بالتزامن مع استعداد البلاد لجولة انتخابات جديدة تشكل اختباراً لمستقبل "الحشد الشعبي" كأحد آخر معاقل النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، حسب تقرير لصحيفة "فايننشيال تايمز" البريطانية.
وأشار التقرير إلى أن وزير العمل العراقي أحمد الأسدي، الذي شغل سابقاً منصب قائد فصيل "كتائب جند الإمام" والمتحدث باسم جماعة تضم فصائل مدعومة من طهران، يمثل التحول الذي تسعى هذه القوى لإظهاره من مجموعات مقاومة مسلحة إلى حركات سياسية مدنية.
يشارك الأسدي في الانتخابات المقبلة ضمن تحالف يرأسه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الذي عمل على توسيع قاعدته السياسية عبر التقارب مع الفصائل الشيعية المسلحة. وتزين صوره لافتات الدعاية في بغداد، حيث يقدم نفسه كوجه مدني يمثل إرث المقاتلين السابقين.
من جهته، صرح أبو علاء الولائي، زعيم "كتائب سيد الشهداء" التي تخوض الانتخابات لأول مرة بقائمة مستقلة، بأن "كل فصيل سيختار بنفسه كيفية المشاركة في المعترك السياسي، لكن الأهم هو التواجد في الساحة لحماية مصالح الحشد الشعبي". وأردف: "لقد قدمنا الدماء من أجل هذا الوطن، وحان دورنا الآن".
على الرغم من تراجع ظهورها العسكري، لا تزال الفصائل الشيعية تحتفظ بنفوذ مسلح واقتصادي واسع. ويذكر أحد السياسيين الشيعة المقربين منها للصحيفة: "انسوا إيران والأيديولوجيا، الفصائل الآن تدير أموالًا ضخمة وتخشى خسارتها عبر القصف أو العقوبات".
وفقاً للتقرير، اتخذت هذه الجماعات موقف الحياد النسبي بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، بينما انخرط حلفاؤها في لبنان واليمن في صراع مباشر مع إسرائيل. كما تجنبت الفصائل استهداف القوات الأميركية عقب الضربات الجوية التي نفذتها واشنطن مطلع عام 2024 رداً على مقتل ثلاثة جنود أميركيين في هجوم بطائرة مسيرة. ويشير التقرير إلى أن طهران دعمت هذا التوجه، معتبرة أن "استقرار العراق ضروري لضمان تدفق الأموال إلى إيران وحلفائها".
نشأت معظم هذه الفصائل بعد الغزو الأميركي عام 2003 أو خلال الحرب ضد تنظيم داعش عام 2014، حيث تم تقديمها كقوى "أنقذت العراق من الانهيار". لكن مكانتها تبدلت مع تزايد الاتهامات بالفساد والسيطرة على مؤسسات الدولة، خاصة بعد قمع احتجاجات عام 2019. وعلى الرغم من دمج "الحشد الشعبي" رسميًا في القوات المسلحة عام 2016، فإن وحداته لا تزال تعمل بشكل مستقل وتمارس العنف ضد خصومها، وفقاً لنواب إصلاحيين. وصرح النائب سجاد سالم، الذي تعرضت مكاتبه لهجمات، بأن "الفصائل تسعى لإسكات الأصوات المعارضة حتى في أروقة القضاء".
يشير التقرير إلى أن ميزانية الحشد الشعبي بلغت حوالي 3.6 مليار دولار في عام 2024، مع تضاعف عدد مقاتليه مقارنة بما كان عليه قبل خمس سنوات، مما يعكس عمق شبكات النفوذ والتمويل داخل الدولة.
لم يسبق لأي فائز بالانتخابات منذ عام 2003 أن تولى منصب رئيس الوزراء مباشرة، حيث يتم توزيع المناصب عبر مساومات سياسية. ومع اقتراب موعد التصويت، توصف الحملة الحالية بأنها "انتخابات المليارديرات" نظراً لضخامة الأموال المتدفقة إلى الدعاية، وسط توقعات محدودة بالتغيير.
من بين أبرز الفصائل المشاركة "عصائب أهل الحق" التي اشتهرت بمقاومة القوات الأميركية، لكنها تقدم اليوم برنامجاً إصلاحياً تحت شعار "بناء الدولة ومكافحة الفساد". وصرح دبلوماسي أوروبي في بغداد للصحيفة: "زعيم العصائب نعيم العبودي ربما كان ميليشياويًا سابقًا، لكنه يتحدث الآن بلغة السياسيين، ويقول ما يرغب الشارع في سماعه". وتضم قوائم الحركة مرشحين من المهنيين والتكنوقراط والنساء، في مسعى لجذب الناخبين الشباب والمتذمرين من الأداء الحكومي.
على الرغم من انخراطها السياسي، ترفض الفصائل التخلي عن سلاحها بحجة "التهديدات المستمرة"، سواء من الطائرات الأميركية والإسرائيلية أو التوغلات التركية في الشمال. ومع ذلك، يرى محللون أن السبب الحقيقي يكمن في التنافس على الموارد والمناصب داخل الدولة.
وفي الصيف الماضي، اندلعت اشتباكات بين "كتائب حزب الله" وقوات الأمن العراقية بسبب إقالة موظف مرتبط بالفصيل من منصب حكومي مربح. كما استهدفت جماعات شيعية أخرى منشآت نفطية في كردستان العراق. ويختتم النائب الإصلاحي سجاد سالم حديثه للصحيفة قائلاً: "لقد ارتدوا بدلات أنيقة وأصبحوا يتحدثون بلغة السياسيين، لكن هذا أخطر من ذي قبل... فمع سلاحهم، لن يهيمنوا على الدولة فحسب، بل سيصبحون الدولة ذاتها".
