إن الحقيقة التي تغيب عن كثيرين هي أن التغيير لا يُمنح من فوق، ولا يُستورد من الخارج، بل ينبت من الجذور، من قلب الأسرة التي تُنبت القيم وتُهذّب النفوس. فالمجتمع ما هو إلا انعكاس لما يجري داخل البيوت؛ فإذا كانت الأسر متماسكة متحابة متعاونة، أصبح المجتمع أكثر تماسكًا وقدرة على التعايش، أما إذا تفككت الأسرة أو ضعفت روابطها، تسرّب الوهن إلى جسد الأمة كلها.
الأسرة هي المدرسة الأولى التي يتعلّم فيها الإنسان معنى الرحمة، والعدل، والتسامح. وفيها تتكوّن البذور الأولى للتعايش الإنساني، فحين يرى الطفل والديه يتعاملان بالمودة والاحترام، وحين يتربّى على قبول الاختلاف ومحبة الآخرين، فإنه ينشأ مواطنًا يحمل في داخله روح الوحدة لا روح التفرقة.
الأطفال الذين نربيهم اليوم هم مسؤولو الغد وبناة المستقبل. إنهم ليسوا مجرد جيل قادم، بل وعدٌ إنسانيّ يحمل إمكانية النهوض بمجتمع أكثر اتزانًا وعدلاً وتعاونًا. ومن هنا، فإن التربية الأسرية ليست شأنًا خاصًا، بل قضية وطنية وروحية، لأنها تصوغ الضمير الجمعي للمجتمع وتحدد ملامح غده.
وحين تترسخ في الأسر قيم المحبة والتسامح، يترسخ في المجتمع كله السلام. فتماسك الأسرة هو الحجر الأساس لتماسك الأمة، ومن دفء البيوت تبدأ وحدة القلوب. وكل كلمة طيبة تُقال لطفل، وكل مثالٍ نبيلٍ يراه في والديه، هو خطوة على طريق بناء إنسانٍ متوازنٍ يؤمن بأن اختلاف الناس جمالٌ، وتنوعهم غنى، وتعاونهم سبيلٌ إلى الرقي.
إنّ التغيير الحقّ لا يبدأ من القمّة، بل من الجذور، أيّ من بيتٍ صغيرٍ يُعلّم أبناءه أن العدل هو ميزان الحياة، وأن الخدمة للآخرين شرفٌ، وأن المحبة هي أعظم قوة لتغيير العالم. فحين تنمو هذه القيم في الأسرة، يزدهر المجتمع، ويتحوّل التعايش من شعارٍ إلى حقيقةٍ نابضةٍ بالحياة.
ودمتم سالمين
