أخيراً، وجد التكريم طريقه إلى أديب قاسم..!
بعد كل هذه العقود التي أمضاها في عمق حِرفة الأدب، في القراءة والتفكير، والتأليف للأطفال والكبار، كيف لا يحظي بالتكريم وإن كان أقل مما يستحق، وجاء متأخراً كثيراً، لكن أن يأتي مُتأخراً خير من ألا يأتي أبداً، كما يُقال.
من عدن، وليس من أي مكان آخر جاء التكريم، هذه المدينة التي كرّس لها أديب قاسم قلمه، شعره، وقصصه، وأغانيه.. لأهل عدن، وأطفال عدن، و للناس والأطفال جميعاً.. للحب والحياة والإنسان.
جاء التكريم من السُلطة المحلية في عدن ممثلة برئيسها، وزير الدولة - محافظ العاصمة عدن الأستاذ حامد لملس.. وتم التكريم في مُنتدى الفنان الكبير محمد مرشد ناجي - رحمه الله - وهو علم له رمزيته في دنيا الإبداع والفن الخالد في سماء عدن، وبحضور وكيل المحافظة محمد سعيد سالم، ومدير عام مديرية المنصورة أحمد علي الداؤودي وآخرين.
أسعدني كثيراً هذا التكريم لرمز كبير من رموز الثقافة والإبداع في عدن..
لصديقي العزيز وتوأم روحي أديب قاسم، وهو اعتراف مستحق بمكانة هذا الأديب الكبير المتعدد الاهتمامات، إذ يكتب الشعر، والقصة، والرواية، والمسرحية، والمقال، وأدب الأطفال. كما يعبر عن أفكاره بالرسم الكاريكاتيري، وتصميم أغلفة كتبه بنفسه..
إشارة تستحق الوقوف عندها، إذ شمل التكريم أيضاً الشاعر الغنائي الكبير عبدالله البقعي الذي غنى له الكبار: محمد مرشد ناجي، أبو بكر سالم بلفقيه، عبد الرب إدريس، عبدالرحمن حداد، وآخرون. ومن كلمات أغانيه: تعبنا والتعب راحة، مقدر والنبي ودعك، حجة الغائب معاه، وما شي كما شي، من سعر كم باعاتبك، والكثير الكثير. (وسيكون موضوع الأسبوع القادم إن شاء الله) مما يعني أن التكريم سيمتد في قادم الأيام والسنين إلى بقية الأدباء والفنانين المُبدعين، الذين يسهمون في عملية التنوير في المجتمع.
“ذات مرة، قال الفيلسوف الفرنسي التربوي چان چاك روسو: «من النادر جدًا أن تجدَ شخصًا استطاع وهو وزير أن يحتفظ في داخله بقلب مواطنٍ حقيقي»... وما نشهدُه ونحن فيه الساعة لهو تأكيد على روح هذه المواطنة في قلب وزير موصولًا ببطانته.. وهو ما يبعث على الغبطة في القلب”.
هكذا خاطب أديب قاسم حفل التكريم، واعتبر التكريم ليس له، ولكن للأدب وللفن وللثقافة ورموزها الوطنية، كما عده باكورة فاتحة لإحياء سمات وجه عدن الزمن الجميل.
أسأل نفسي: ماذا تسوى النفس إذا لم نعطها الحق في الحرية، بعض الحق في الغناء، والرقص، ونمنح هذا الرأس كل الحق في التفكير والإبداع والإنتاج؟؟! لقد منح أديب قاسم لطفولتنا وكل طفولة من بعدنا “الدُرهانة”، و”قَفْزَ الحبل”، و”عيد الهنا”، ووضعنا في قلب المرح والفرح، نعيش في حالة شوق دائم، كلما سمعنا تلك الأغاني، إلى طفولتنا البسيطة والجميلة، مع “الصياد” طاف بنا في رحاب “التاريخ “ في لغة غنائية، تتماهى مع الموج والموسيقى والكلمات والإيقاعات، حيث كل شيء يتحول إلى عزف وصور لحنية قادرة على حملك إلى المركب البعيد عنك الذي لا يستطيع بُعده عنك أن ينسيك المدينة التي تحب... عدن.. وكم غنى أديب قاسم هذه العدن شعرا وأهداها صورا هي أجمل ما يمكن أن يغنيه شاعر لمدينته؟
وكم كتب للأطفال قصصاً، ومسرحيات، واوبريتات؟: الثعلب المكار، القمر بعدي.. بعدي، فقاعة الصابون المتكبرة، شجرة السنط الأزرق والعصافير المضيئة، التليباثي، قشة لها تاريخ طويل. أدب الأطفال - دراسة في أصل الظاهرات الشعرية الغنائية الشعبية عند الأطفال العرب. مزرعة القمر - قراءات وتخطيطات في أدب الاطفال. “ ديوان شعر غنائي للأطفال. رواية “ النمر الأرقط والكلاب The Leopard and The Dogs “
وليس هذا كل ما كتبه أديب قاسم للأطفال، فمازالت بعض قصصه لم تطبع مثل: مسرحية “ الظلام يضيء بما فيه الكفاية Light of The Darkness “، ورواية “حكومة الأطفال”، و”الاقزام العمالقة”.
الكتابة للطفل من أصعب أنواع الكتابة، وليس كل كاتب يستطيع أن يكتب للأطفال. إنهم عالم الدهشة والخيال الجامح، والصور المتحركة، والحقيقة والواقع في نفس الوقت، إرضاؤهم صعب، وإقناعهم أصعب، ومن يستطيع ذلك حقاً فقد اقترب من عالمهم الساحر..!
ولأديب قاسم مجموعتان قصصيتان: “العجوز الذي قال: وداعا!” عن دار منار برس، بيروت - لبنان عام 1986م، و”ارجعي، ارجعي يا سلمى” عن دار الجليل ، دمشق - سوريا عام 1987م. وله تحت الطبع: يوميات أديب في برلين - مذكرات الطريق “أدب الرحلات”، “حكايات تروى مرة أخرى”، “حكايات عدن الشعبية”، “العرب والصين - ملامح تاريخية، ودراسة مقارنة في الأديان”، و”الضوء الأعمى” رواية سيرة ذاتية.
مُلاحظة أخيرة على هامش التكريم لهذين القامتين السامقتين أديب قاسم والشاعر الغنائي الكبير عبدالله البقعي، وهي أن يتم التكريم في المرات القادمة للأدباء والمبدعين في صالة أكبر، يُدعى لحضوره عدد كبير من أهل الثقافة والأدب والمهتمين، مع تقديرنا الكبير للرمزية التي يكتسبها منتدى الفنان الكبير الراحل محمد مرشد ناجي.