منذ أن تفجّرت ثورة السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962، ظل العيد الوطني لهذه الثورة يعود كل عام محمّلًا بالرمزية الوطنية. لكنه بعد زمن طويل يعود اليوم مثقلًا بغياب معناه الحقيقي. فالمناسبة التي ارتبطت في وجدان اليمنيين بالحرية والخلاص من الاستبداد، تحولت إلى احتفال شكلي، بينما جوهر سبتمبر يغيب وسط مشهد سياسي واجتماعي ملبّد بعودة الإمامة بثوب جديد.
إن الطغاة لا يفاجئوننا بما يفعلون، فهم يمارسون سلوكهم المعتاد في القمع والاستبداد ومصادرة حقوق الآخرين. غير أن السؤال الأخطر لا يتعلق بالطغاة أنفسهم، بل بالذين يركعون لهم. لماذا يقبل الناس بالصمت، رغم إدراكهم أن السكوت عن الحق خيانة؟ ولماذا تتراجع إرادة الحرية أمام الخوف والمصالح الضيقة؟
لقد علمتنا التجارب أن الثورات لا تُهزم برصاص الطغيان فحسب، وإنما تُهزم حين يسكت الأحرار، وحين يُترك الميدان فارغًا أمام عودة الاستبداد. وما يعيشه اليمن اليوم ليس إلا نتيجة لتخاذل كثيرين عن الدفاع عن مبادئ سبتمبر وقيمه.
إن الاحتفال الحقيقي بسبتمبر لا يكون بالأناشيد والشعارات، بل بوعي صادق والتزام عملي يحول دون عودة عصور الظلام. فسبتمبر لم يكن مجرد يوم في التاريخ، بل كان بداية مشروع وطني للتحرر والكرامة، ومصيره اليوم يتوقف على قدرتنا على استعادة ذلك المشروع.
ويبقى السؤال المفتوح أمام كل يمني: هل نريد لسبتمبر أن يبقى مجرد تاريخ في التقويم، أم أن نعيد له وهجه كرمز للحرية ومسؤولية تجاه المستقبل؟
سبتمبر لن يعود ببهائه إلا إذا قررنا نحن أن نكون أوفياء له، وإذا تجرّأنا على قول كلمة الحق، وإذا وقفنا صفًا واحدًا في وجه مشروع الحوثي الذي جاء ليعيدنا إلى الوراء. فلتكن ذكرى سبتمبر دعوة متجددة للحرية، ولتكن مسؤولية في أعناقنا جميعًا تجاه وطن يستحق أن يعيش حرًا كريمًا.