تشهد اليمن منذ سنوات حالة من الانفلات النقدي والازدواج في السياسة المالية، وهو ما أدى إلى تدهور سعر صرف الريال اليمني، وفتح الباب واسعًا أمام المضاربات والفوضى في سوق الصرافة. هذه الفوضى باتت لا تهدد الاقتصاد فحسب، بل تمسّ الأمن القومي والاستقرار المجتمعي بشكل مباشر. ومن هنا تبرز ضرورة إعادة النظر في سياسة البنك المركزي اليمني تجاه شركات ومحلات الصرافة، واقتباس التجارب الناجحة من الدول الأخرى، مثل مصر.
تجربة مصر في ضبط التحويلات
مصر واجهت تحديات مشابهة في السابق، لا سيما مع السوق السوداء وانتشار تحويلات العاملين بالخارج عبر قنوات غير رسمية. إلا أن البنك المركزي المصري تعامل مع هذه الظاهرة بسياسة صارمة، قائمة على:
توحيد سعر الصرف الرسمي والقضاء على السوق السوداء.
تشجيع التحويلات عبر القنوات الرسمية بمنح تسهيلات وحوافز.
فرض رقابة مشددة على محلات الصرافة المخالفة وسحب تراخيص المخالفين.
دعم دور البنوك الوطنية في استقبال التحويلات الخارجية.
وقد نجحت هذه السياسات في رفع الاحتياطي النقدي المصري واستعادة السيطرة على سوق الصرف.
ماذا لو استلهم الساسة في اليمن هذه التجربة..
لو قرر البنك المركزي اليمني السير في هذا الاتجاه، فإن هناك مسارين محتملين:
المسار الأول.. الدمج والإصلاح
تقييد عدد شركات ومحلات الصرافة، وتحديد صرافة واحدة أو اثنتين فقط في كل محافظة، وفق معايير الكفاءة والالتزام.
ربط تلك الصرافات بنظام رقابة إلكتروني مباشر تابع للبنك المركزي، لمتابعة العمليات وتحليلها.
فرض غرامات صارمة على المخالفين، تصل حد إلغاء التراخيص، كما هو معمول به في العديد من الدول.
المسار الثاني.. الإغلاق الشامل والاستعاضة بالبنوك
إغلاق جميع شركات الصرافة الخاصة، وتكليف البنوك الرسمية فقط بمهام التحويلات والصرف.
إنشاء فروع للبنك المركزي أو بنوك وطنية في جميع المحافظات، لتقديم خدمات الصرف والتحويل.
اعتبار هذا الإجراء ضمن خطة أمن قومي، للحد من غسل الأموال، وتمويل الفوضى، والتلاعب بأسعار العملة.
التحديات المحتملة: رغم وضوح الرؤية الإصلاحية، فإن التنفيذ لن يكون سهلاً، إذ أن بعض شركات الصرافة أصبحت أدوات سياسية بيد أطراف متنفذة.
البنوك اليمنية تعاني من ضعف البنية التحتية وغياب الثقة المجتمعية.
شريحة واسعة من الناس تعتمد على الحوالات عبر محلات الصرافة لسهولة الإجراءات وسرعتها.
إن تجاهل فوضى سوق الصرافة في اليمن لم يعد مقبولًا، كما أن بقاء الوضع على ما هو عليه يمثل تهديدًا اقتصاديًا وسياسيًا وأمنيًا. ولذلك، فإن البنك المركزي اليمني مطالب اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بتبني سياسة نقدية صارمة تستفيد من التجارب الإقليمية، وتعيد هيكلة القطاع المالي وفق مبادئ الشفافية والرقابة.
ولا شك أن نجاح هذه الخطوة يتطلب دعمًا حكوميا ومجتمعيًا واسعا، إضافة إلى تعزيز الثقة بالبنوك وتوسيع خدماتها، لتكون بديلًا موثوقًا عن الصرافات العشوائية.