منذ مدة طويلة سمعت من أحد الصبية العائدين من حلقات الشيخ الوادعي ان التجارة هي (حرب المؤمنين). جاء ذلك ردا منه على احتجاجي على الطريقة التي يمارس بها تجارته، مصرا على ان هذا ورد في حديث عن الرسول الكريم. فقد كان يطلب سعرا مبالغا فيه لبضاعته. في بداية التسعينيات نشطت تجارة الشنطة بين الشباب بين عدن والهند وسوريا. ولفترة طويلة أهملت حكاية (حرب المؤمنين) خاصة وقد تغيرت الظروف بعد حرب 94، ولم تعد ضمن التداول اليومي، بسبب ظهور وظائف جديدة انتجتها تلك الحرب. حيث تحول الكثير من أولئك الشباب إلى دعاة ووعاظ ومراقبين لسلوك المجتمع والنساء على وجه خاص تشبها بـ (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) التي تخلصت منها السعودية مؤخرا.
قبل بضعة أشهر دلفت إلى احد محلات بيع الأدوات المنزلية بحثا عن واحدة من احتياجات المنزل. فعلا وجدت ما كنت ابحث عنه، ولكني لم أتمكن من دفع ثمن القطعة لأني دخلت المحل (طفران ولا بيسة)، و(الله يسامح اللي كان السبب). المهم وعدت البائع بالعودة ثانية لشراء حاجتي، والحقيقة أن الرجل بدا ودودا ولطيفا معي ورد بلطف (المحل محلك بأي وقت). بعد فترة توفر المبلغ وقررت الذهاب إلى ذات المحل، خاصة وان البائع قد بالغ بالترحيب بي في المرة السابقة ولكني خيبت ظنه ولم أشتر شيئا.
المهم، قبل وصولي إلى الشارع الذي يقع المحل المقصود فيه عرجت على عدة محلات في شوارع مختلفة من باب الفضول لا أكثر ولا أقل. ويا للعجب فقد وجدت ضالتي في أغلب المحلات في تلك الشوارع، ولمت نفسي لأنني تسرعت وبحثت في مكان بعيد، بينما كان المنطقي أولا البحث في الأماكن القريبة توفيرا للوقت والجهد وتقليل التكلفة. لكن الأعجب أن ثمن الغرض الذي أريد ابتياعه في المحل السابق يزيد عن ثمن ما وجدته الآن بمقدار الضعف. ومرة أخرى لمت نفسي على تعجلي، ولكني قررت الوفاء بالوعد للشراء من المحل الأول مع محاولة تخفيض السعر، فلربما كان البائع لا يعلم بالسعر السائد في السوق.
دخلت المحل وسلمت على من فيه. وبعدها حدثت البائع الطيب على انفراد وطلبت منه مراجعة السعر، لأن السعر عنده ضعف ما هو في السوق. كان رد البائع صاعقا: (هذا هو السعر اعجبك والا الله يفتح عليك). طيب الله يهديك يا أخي السعر في السوق جنبك أرخص بالنصف.
الرجل استاء مني ورد بحدة (هذه حرب المؤمنين)، وحينها قررت أن ألغي فكرة الشراء من هذا البائع الذهاب إلى مكان آخر.
هذه الحادثة ذكرتني بهذه العبارة القديمة. ولهذا قررت أن أبحث عن أصل لها. ولكني لم أجد لها أصلا ولا فصلا. وهناك من العلماء الذي أقر أنه لا يعلم للرسول حديثا بهذا المعنى. فالشيخ صالح بن محمد باكرمان يقول: لا أعلم حديثا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذا اللفظ، وإنما مما يتداوله بعض المعاصرين عبارة: “التجارة حرب المؤمنين“، ولا ينبغي حسب الشيخ استخدام هذا التشبيه أو العمل وفق مدلوله فالتجارة بين المؤمنين يجب أن تكون “بالحب والنصيحة والصدق والوضوح والسماحة ونحو ذلك من المعاني العظيمة في الإسلام”.
التجارة يجب أن تكون حربا بين المؤمن وأهوائه، بين الجشع والقناعة، بين الطاعة والمعصية. التجارة في رمضان امتحان حقيقي للمؤمن، والغش لا ينفع صاحبه. ولا رقيب إلا ضمير التاجر. فإما أن ينجح وإما أن يسقط.