خف الضجيج الإعلامي والصخب السياسي الذى تزامن مع الحوار الوطني الذى شهده اليمن على مدى الأشهر التسعة الماضية بالإعلان الرسمي عن اختتام هذا الحوار الذي نجح في جمع كل اليمنيين من قوى تقليدية وقبلية ومدنية وحزبية من مختلف الأطياف السياسية والفكرية على طاولة واحدة رغم اختلافاتها وتبايناتها الكثيرة وصراعاتها المزمنة ليجلس المتشاكسون والمتعاركون إلى جوار بعضهم البعض بمن فيهم أولئك الذين تقاتلوا بالأمس لاجتراح الحلول لمشاكلهم وقضاياهم والإعداد لتسوية تاريخية وخارطة طريق تنتقل باليمن إلى الاستقرار الحقيقي والدولة الحديثة التي تذوب فيها العصبيات والتمايزات والنوازع الإقصائية وتستقيم فيها قيم العدل والتعايش والمواطنة المتساوية.
كثيرون لا يزالون غير مصدقين أن اليمن بتناقضات مجتمعه القبلي قادر على اجتياز ظرفه الراهن بل ثمة من لا يزال غير مصدق أن اليمنيين قد توافقوا على عقد اجتماعي جديد من خلال حوار تساكنت فيه كل التيارات والفئات وتنازلت لبعضها البعض من دون غالب أو مغلوب بهدف إخراج بلدها من النفق المظلم في حين فشل غيرهم في بلدان الربيع العربي من تحقيق مثل ذلك التوافق.
وإذا ما كان اليمانيون قد استطاعوا بحوارهم تشخيص واقعهم والتوافق على الوسائل التي تقود بلادهم إلى بر الأمان بعد طول انتظار وحوار شاق استغرق وقتاً طويلاً فإن مثل هذا الوقت كان ضرورياً ومفيداً لترتيب الأفكار وتكريس المنطق العقلاني وإيجاد القواسم المشتركة التى تفضي إلى المصارحة وتعميق الثقة فيما بينهم بعد أن ظلوا يحسمون خلافاتهم من خلال فوهات البنادق ولعلعة الرصاص والحروب الداخلية والصراعات الدامية فلا يعني ذلك انهم قد تغلبوا على كل مصاعبهم وصاروا في مأمن عن أية انتكاسة محتملة حيث وإن كل المؤشرات تؤكد على أن طريق اليمنيين إلى بناء دولتهم الجديدة مازال محفوفاً بالمخاطر والأشواك مما يتعين عليهم الوعي انهم وإن كانوا قد خرجوا من وضع صعب فإنهم الذين سيدخلون مرحلة أعقد وأصعب من سابقاتها بالنظر إلى المهام المرتبطة بهذه المرحلة والمتصلة بصورة مباشرة بالانتقال من الحوار إلى الإعداد والتأسيس لدولتهم الجديدة وهو ما يقتضي منهم الحفاظ على التوافق الذي جرى إحرازه في مؤتمر الحوار في كل المحطات القادمة بداية بمحطة الإعداد للدستور الجديد واستفتاء الشعب عليه ثم محطة الانتخابات المحلية والنيابية والرئاسية وصولاً إلى قيام الدولة الاتحادية الجديدة والاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
وفي هذا الشطر تحديداً فاليمن مقبل على مرحلة حاسمة يعول عليها أن تعبر به إلى طور الاستقرار والسلام والوئام وهو ما يستوجب من كل التيارات والقوى الانصهار تحت مبدأ الشراكة الوطنية الجامعة بما يعنيه من اقتسام للسلطة خلال فترة الإعداد لمرحلة الدولة باعتبار ان مراحل التحول والتي تكون فيها عادة المفاهيم والرؤى والاستراتيجيات غير مستقرة والتوازن بين مختلف القوى غير واضح يصبح الاحتكام فيها للتنافس على السلطة عبر الصناديق أشبه بمغامرة غير مأمونة النتائج وبالتالي فمهما كانت تحفظات البعض على اقتسام السلطة وليس تداولها فلا بديل لليمنيين عن هذا الخيار لتعميق روح الوفاق وإحلال التهدئة محل التصعيد وتهيئة هذه المرحلة لكونه واحداً من الخيارات الأساسية في سلسلة الضمانات المطلوبة لتنفيذ مخرجات الحوار وإكسابها الإلزام المطلوب.
جريدة الرياض
اليمن.. من الحوار إلى بناء الدولة!!
أخبار متعلقة