سطور
يتميز الأديب عن سواه بمزايا شتى أهمها الموهبة التي تترجم كل ما يصطرع في ذاته من انفعالات إلى عمل فني إبداعي له عناصر وأدواته، يسعى إلى تفجيرها أدباً يمتد ليتجاوز التعبير عن الهموم الذاتية إلى الإسهام في التعبير عن كثير من قضايا المرحلة ومشكلاتها ومن ثم النفاذ إلى ما يلفت النظر حقاً، في التعبير للكشف عن هموم ومشكلات تعتل الوطن والأرض، وهذا نوع من الأدب قل وعز مثيله، لا تتفضل النفس وتجود على صاحبها به إلا إذا حضر حضوراً عضوياً عميقاً في مكان قصي في قلبه، يضيء إشراقاً ويتلألأ نوراً.لو أخذنا النص التالي مثالاً على ذلك للشاعر العربي - الكبير أمل دنقل:خريطة مبتورة سوداءكان اسمها سيناءولطخة سوداءتملأ كل الصورةلم يعد سوى نقش مكتوب فيهالناس سواسية في الذل كأسنان المشط لوجدناه وثيقة سياسية تنبض بشيء كالروح اسمه الأدب، شارفت على المشاركة في صنع قرار سياسي كما عنت وأحاطت بالهوان العربي وجست على جرح لا يعرف للبرء طريقاً، فرط انحياز الشاعر لقضايا الأرض والوطن.والحقيقة التي لا ريب فيها هي أن العزم والجدة لا يخلقان أدباً ولا يصنعان موهبة وإن دفعا بكثير من الأقلام للكتابة، ستظل غير ناضجة ولن تبلغ وجه التمام الفني، إذ العزم وحده حالة إنسانية مفرعة من العاطفة والخيال، كما أن الجدة لا يتكثف عبرها المشهد فيستقيم معناه وينجلي مبناه، لهذا نرى كتابات دون المستوى وأخرى مبتذلة راجت - للأسف - في (الوسط الأدبي)، تبعث على التقزز والضجر، دون أن نهم وننتصب لها ضداً، كي لا تشل من حركة الأدب وأدائه وكي لا يكف الآخر عن الإيمان به وسيلة للازدهار والنماء.إن العمل الإبداعي إنما مستمد من الوعي والثقافة معاً - تجسدهما الموهبة، فتنتج منتجاً فاعلاً يساهم وبشكل كبير في إعادة تشكيل الواقع وبلورته من خلال التخلص من كثير من أعباء المرحلة والانعتاق من بالي وهزيم أفكارها بعد صراع عنيف مع الحرف، يؤدي إلى إبراز وتعميد دور الأدب ويعكس أثره في الحياة، فتغدو صفحاته لألاءة تجري بغير رواكد، نغترف ونعب منها ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً.