قصة
عبدالجليل الهاشمي جاهداً أقنعهم بأن يسمحوا له باعتلاء المنصة أقنعهم بأنه يحمل فكرة لمصلحة ما يعملون لأجله وبذلك سمح له بالتحدث .“ إن الأرواح الوطنية التي عاشت تحت رحمة رصاصات أعدائها أحق بها أن ترتفع فوق منصات الحروف والكلمة ،وأحق بها أن تتولى زمام الأمور....” هكذا استهل خطابه للجماهير، كان يعي جيداً من يقصد في كلامه، في استهلالته تلك صفقت له الجماهير بحرارة بمن فيهم من يقومون على الحفل، لم يعبأ بالتصفيق لكنه أستمد بعض الشجاعة منه ليضيف :“الوطنية لا تعني بالضرورة أن تقتل نفسك من أجل وطنك، هي في معناها الحقيقي أن تحيا لأجل الوطن ،أن تكرس جهودك وكل طاقاتك للوطن”كان الجميع ينظر إليه كما لو أنه يؤدي دوراً “ تمثيليا” على خشبة مسرح، صمت فجأة بدا وكأنه يتفقد وجوه الحاضرين ثم عاد لمواصلة خطابه :“فيما يسمى ثورة هي ليست ثورة الثورات لاتبنى بالخطابات ولا بالتسويات المنقوصة، الثورات تأتي كالفيضان لايعترف بوجود نهاية أو حاجز لإيقافه، لكننا لسنا بحاجة لثورة بقدر مانحن بحاجة لاستيعاب مايجب أن نثور لأجله في بادئ الأمر...” كان يتحدث بروية بينما ارتسمت على أوجه الحضور ملامح الاستغراب أو عدم فهم ما يقوله، ليضيف أيضاً:“إن من يضعون أنفسهم على مراكز القيادة لم يمنحوا هذا الحق لعمل نبيل يقومون به، هم فقط يحملون رصيداً كبيراً من النفاق يستطيعون من خلاله تسلق المناصب والوقوف على رؤوسنا...”، لم يلمح لأحد لكن حديثة يوحي بالتعميم واستبعاد معنى أن يكون حاقداً على قائد بعينه. صفق له البعض بحرارة هذه المرة شعر بأن أحدهم أستوعب ما يقصده..القائمون على الحفل هموا بإنزاله من المنبر لأكثر من مرة لكن لم يستطع أحد منهم بسبب تأييد الجمهور له وتصفيقه هذه المرة. “وأخيراً” يا سادة ليس كل الذين قتلوا قتلتهم يد العسكر ففي الثورات المشتتة والتي تدار من قبل تجار السياسة والثورات ومن يمسكون بخيوطها تكون بحاجة لوقود كي لاتنطفئ وتذهب أدراج الخسارة... وشكراً”.نزل من المنبر ولم يصفق له أحد، البعض من الجمهور وقف حائراً دون حراك ، ثلة من الشباب في آخر القاعة صفقوا له لكن سرعان ما تلاشت تصفيقاتهم حينما لم تجد صدى مع من يقفون في أول قاعة الاحتفال.صعد مقدم الإحتفال على المنبر لمواصلة الحفل وبشعارات حماسية من تلك التي نحفظها عن ظهر قلب يحاول إعادة الحالة الطبيعية للجمهور، استجاب له من يقفون في آخر القاعة أيضاً وسرعان ماتحركت القاعة بترديد شعارات الوهم تلك بينما كان الثائر المجهول يتجه صوب باب القاعة بنصف ابتسامة وما إن وصل إلى الشارع حتى بادرته رصاصات مجهولة أردته قتيلاً” .. بعد ساعات نشر خبر مقتله بالاسم والصورة بكل صحف وقنوات الثورة وتجشم القائد وأتباعه عناء خطاب، قرأته مذيعة الأخبار لنعيه بوصفه كان مناضلاً من أجل الثورة والوطن .