بعد عامين من اليوم تكون قد انقضت مائة عام على اتفاقية تقسيم منطقة الشرق الأوسط بعد سقوط الخلافة العثمانية، والتي أشرف على تحقيقها وزيرا خارجية بريطانيا وفرنسا مارك سايكس وفرنسوا جورج بيكو، واليوم تبدو نفس المنطقة مرشحة وبقوة لمجموعة جديدة من التقسيمات وبالتالي خارطة جغرافية جديدة تبرز هذه الحدود، ولكن لأننا نعيش زمانا مغايرا لما كانت عليه الأمور قديما، فبالتالي تقتضي الحاجة إبراز وسائل جديدة لتحقيق هذه الغايات. فظهرت دول ومجاميع لتلعب أدوارا «مؤثرة» و«موجعة» وكان لإسرائيل وإيران وحزب الله و«داعش» أدوار لإنجاز هذا الأمر كل بحسب وضعه وكل بحسب وقته. الولايات المتحدة (وهي دولة علمانية بامتياز تفصل الدين عن الدولة) اختارت التحالف قديما مع إسرائيل وحاليا مع إيران وهما دولتان دينيتان بامتياز؛ فالأولى تقول عن نفسها إنها دولة حصرية لليهود وذلك فيه تميز عن باقي مواطنيها، والأخرى تقول إنها دولة إسلامية لا بد أن يكون رئيسها شيعيا (أي إنها ليست فقط دينية ولكنها طائفية وفي دستورها نص بهذا الأمر مما ينتقص حقوق المواطنين الآخرين المختلفين).إسرائيل لا تريد أن تكون الدولة الدينية العرقية الوحيدة في المنطقة وبالتالي تكرار المثال من حولها لن يجعلها المثال الوحيد «الشاذ»، وإيران مهووسة بإرث انتقامي قديم لا علاقة له بنشر الدين ولا بالمقاومة، فهي على خلاف عقائدي حاد مع من حولها وموضوع «الدولة المقاومة» مرحلة وانقضت حققت هدفها المطلوب لكنها تسعى اليوم لأن تكون شرطي المنطقة وإذا صعدت من وجه الإرهاب القبيح وركزت أن هذا الوجه هو على العكس منها تماما شكلا ولغة وانتماء وطائفة وهي تعلم عقدة الغرب عن فكرة الإرهاب كان من الطبيعي أن تضعهم بالتالي أمام خيارين صعبين؛ إما «داعش» أو إيران، وهناك معسكر في الإدارة الأميركية لديه قناعة بأن إيران هي المؤهلة لأن تكون قوة الاعتدال في المنطقة وهذا لعمري هراء عظيم، فلقد تناسوا أن المنطقة لم تعرف السلام منذ وصول الخميني وثورته إلى الحكم، فلقد دخل في حرب ملعونة مع شريكه في الجريمة صدام حسين. الخميني الذي قال واصفا وقف إطلاق النار أنه أشبه بكأس سم يتجرعه، وهو الذي نفسه سمح بميليشياته أن تحاول قتل أمير الكويت وتقوم بتفجير مبانٍ في الخبر بالسعودية وتعبث في أمن الحجاج، وعن طريق أداته ميليشيات حزب الله الإرهابية في لبنان قامت بتفجير مبانٍ لقوات المارينز والسفارة الأميركية وخطف غربيين ومفاوضهم وخطف طائرات مدنية.الآن يتناسى العالم إرهاب إيران وحزب الله المتروكة قواته تقاتل في سوريا والآن في العراق تحت أنظار الولايات المتحدة وإسرائيل دون التعرض له وهو الذي كان «مصنفا» ذات يوم بأنه جماعة إرهابية ويتم التركيز على الفزاعة الجديدة «داعش»، تلك الجبهة الغامضة التي أسسها العراقي المعروف باسم أبو بكر البغدادي، وهو اسمه الحركي، واسمه الحقيقي عوض إبراهيم علي السامرائي مواليد سامراء عام 1971 ويقال: إن لديه دكتوراه في التاريخ الإسلامي حصل عليها من جامعة بغداد الإسلامية وهو الذي يفسر الإشارة إليه بعض الأحيان بلفظ الدكتور، انخرط في الأعمال القتالية منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003 حتى ألقي القبض عليه عام 2005 عن طريق القوات الأميركية وسجن لمدة أربع سنوات في جنوب العراق بأحد المعسكرات ولسبب غامض وغير واضح تم إطلاق سراحه، وبدأ يعد العدة بتجهيز أعداد غفيرة من الناس للقتال معه حتى بلغ جيشه 12 ألف مقاتل، ثلاثة آلاف منهم جاؤوا من الغرب وكان دخوله إلى الثورة السورية نقطة انتقال ضد الثورة وتحويلها إلى دموية همجية (دور مطلوب؟). وفي شهر يونيو (حزيران) من العام الماضي أعلن طلاقه التام من ولاية «القاعدة» وأيمن الظواهري الذي انتقده بشدة ليزداد بريقه «الإرهابي» إعلاميا بأنه «أشد» تطرفا من «القاعدة» وها هو يساهم مع إيران ومن قبلهم إسرائيل في رسم جديد لخارطة الشرق الأوسط.لم يعد من السهولة أن ينطلي على المواطن العربي نفس الخدع التي كانت سببا لمصائبه في السابق. «داعش» وإيران وحزب الله و«القاعدة» وغيرها هي وجوه للشر عرفها أهل المنطقة وتأكدوا من ذلك وها هم اليوم يرون بأعينهم تمزيق المنطقة على أيديهم وإعادة رسمها مجددا.
داعش ـ بيكو!
أخبار متعلقة