سطور
البرد القارس في صنعاء، يجعلني دائما أتذكر دفء عيونك عندما تحتمي بها أطرافي، وتدثرها بكحل رمشك، تحتويني كطفل خرج للتو من حمام ساخن، يذكرني البرد بتفاصيل جميلة في حياتي.. هدى: أتذكر أناملك وهي تلمس أطراف أصابعي لتخلق فيها الدفء، كنت مصدر كل شيء دافئ، وما زلت .. هذه الليلة من منتصف شهر يناير، احن إلى ابتسامك، كما احن تماما إلى رائحة أغطيتك.هدى : يدثرني الآن، صوتك الذي اختزل في ذاكرتي، وجعل منها مسرحاً مظلماً سلطت الأضواء إلى مقدمة المسرح، أنت المسرح وأنت الضوء .. يخترق صوتك كل ومضات صمتي، وجهك وحده يجعل من هذا الليل جميلاً، وممتعاً، ويوحي بالتفاؤل، ويتحول إلى انتظار لذيذ لصباح مشرق.هدى : كنت أقاسم معك البرد ونكون اقويا ونحن نصمد أمامه .. كنت مصدراً كبيراً لقوتي تلك. الآن اشعر بالبرد بدونك، واستطاع أن يهزمني، ويخلق مني جندياً ضعيفاً وهش فقد قوته في معركة ما.هدي : أنقيه وأنتي تشعلين ذاكرتي بأيام البكر للحب الكبير ، عندما مررت من جوار محلي الصغير، كنت اشعر بالانتماء إلى مكان آخر، وأم وجهي شطره بدون اكتراث للقادم ، إيماني بالثورة كان يشبه تماما إيماني بالله عز وجل .. اعتنقت الحلم بالثورة والانتفاضة ضد الأصنام، ولم أتخيل أني في نشوة الانتصار بالنصر .. سيجد حبك إلى انتصاراتي طريقا لنكون طريقاً جديدا لثورة أخرى لابد أن تكتمل .. تتشابه الوجوه والملامح، لذا لم أعرفك. كنت ساذجاً في أن أجد في عيونك ذلك البوح والتعابير غير المفهومة.هدى : كنت ثورتي يومها، وكنت اقترب لعلي أجد إلى قلبك سبيلاً، ولم اعرف أن الحب يبدأ يلملم شتات غربتنا عن بعض. هدي : أتذكر جيداً ذلك الصباح البارد عندما اخترقت برودة الشارع، طيفك، وابتسامتك التي أخفيتها خلف الأسود، صدقيني الأسود يليق بك، ويجعل الضوء يتسرب من بين رموشك، الأسود يجعلك أكثر نوراً وبهاءً، اعرف إني هنا أناقض حديثي معك، ذات مساء ونحن تستمع إلى سيمفونية البحر، لكن أن تعرف الحقيقة متأخراً خير من أن لا تعرفها أبداً .هدى : هل تعرفين إني بدأت أغار أيضاً من البرد، فقد يلتف حولك... وأنا الذي يحتاج منك أن تطوقيه بيديك، ليشعر بالدفء وهو ينظر إلى عيونك لينام طولاً اثر يوماً مضنٍ... وصنعاء باردة، وعتيقة، وسيدة عصرية بدأت تشيخ، وساكنوها يشعرون دائما بالضجر، أنا أيضاً تملكني الضجر، واشتد بي البرد وحفرت يوميات هذه المدينة في ذاتي علامات الشيخوخة، فعلاً يا هدى الأحلام أيضا تشيخ والطموحات المعلقة تشعر بالضجر.يجلدني الشوق إلى غرفتنا الصغيرة و أحلامنا التي لا تتجاوز أن يكون لنا أحلام وأطفال ، وبضع ابتسامات نتقاسمها دائماً، البرد يا هدى .. جميل ورائع ما دامت ذاكرتي طريه به .هدى : أفتش عنك بين دفاتري و أجندتي اليومية لاكتشف انك حضارة مثل حضور الدواء لمريض هزمه المرض، أو قولي مثل الهواء لشاب يتعلم السباحة .... وبين الكلام الجميل هناك وحي يتصل إلى قلبك، لا تشبه أحاديث البشر، واللغة المتاحة لنا هي أحرف العيون، عندما لا أجد طيفك يطوق مخيلتي أجد العالم ضدي وملامح الشوارع والظلام ضدي، يشعرني الزمن إني أقاتل خيالي، وأنا مهزوم لا محالة، هدى : أنت تسافرين في أوردتي مثل دمي، ويسافر ظلك بعيداً ويتداخل بظلي، واشعر دائما بالسعادة حين تعتريني قشعريرة حبك.