قصة قصيرة
ذات أمسية شتوية، انبرى الطل فيها رذاذا منهمرا مغزولا كالقطن، احتضنته تربة الترس الشديدة الظمأ ، بابتسامة الرواء لاحت من شقوق صدرها، فواحة برائحة الغنج والدلال..ارتأى الطاهر إصابة عصفورين بحجر واحد. إقامة حفل العقيقة، والاحتفاء بما جادت به السماء من أمطار. ما جعله يستدعي ثلة من شلته..المدعوون خبراء العمليات الجراحية لطيور دجاج أخطأها تيار الأنفلونزا، لملء سراديب أمعاء أنهكها فحيح برد شتوي..تحلق المدعوون في قاعة العمليات، حول مائدة طيور دجاج، تقرأهم السلام، برفع الأعلام البيضاء. لم يعيروها أي اهتمام، حيث باشروا عملية التشريح والأكل بدون مقدمات، مستعينين بمواد وأدوات فقرية عظمية تدعى الأصابع، وكأنها كماشة روبوتية تحمل ما علق بها لتطرحه داخل ثقب كبير في الوجه، ليقوم بدور القطع والتحليل والمزج والامتصاص، ليقذف العصارة إلى الجوف.فجأة، لاحظ الطاهر بأن أحد المدعوين منزو بإحدى الزوايا لا يشاركهم،..بل يراقب الوضع من بعيد. توجه نحوه وسأله : ألا تشاركنا العبث بأجنحة طيور دجاج، وأفخاذ وصدور..؟ تزحزح من مكانه، واضعا ظهر يده على فمه كستار واق يحجب الفراغ الذي أحدثه غياب الأسنان. قائلا: لقد نسيت طقم أسناني بالبيت، لذا انعزلت عن مشاركتكم، واكتفيت بشرب السوائل، والفرجة على أفعالكم... دس الطاهر يده اليسرى في جيب معطفه، وأخرج منه طقم أسنان، مده إليه قائلا: قســه . لم يكن الطقم بالمقاس المطلوب. رده إليه، مما جعل الطاهر يعيده إلى جيب معطفه، ويسحب طقما آخر من جيب سرواله، ويمده إليه ليقيسه. لم يكن أيضا بالمقاس المطلوب.أرجعه إليه، كما أرجعه هو بدوره إلى جيب سرواله. سحب طقما ثالثا من جيب سترته، مده له ليقيسه. كم كانت فرحته كبيرة بالطقم الذي وافق مقاسه. وكأنه طقمه المنسي بالبيت..ابتسم ابتسامة عريضة، أبانت عن أضراس عقل مزورة.على إثرها التحق بالشلة رفقة الطاهر لإتمام عملية هتك العرض بالقضم ، والعض والمص والتلذذ، إلى أن أصبح سرب طيور الدجاج الذهبي في خبر كان، أي عبارة عن هياكل عظمية صالحة كوسائل إيضاح لدرس في العلوم الطبيعية أو النشاط العلمي.عندها توجه صوب المغسلة للتطهر من الجرم، وتنظيف الطقم المعار وتجفيفه، لإعادته إلى صاحبه الطاهر. عندها سأله :لم تحمل معك كل هذه الأطقم ؟رد عليه ضاحكا: بحكم وظيفتي. فهي التي تحتم علي الاحتفاظ بأطقم الأسنان.سأله ثانية : وما طبيعة وظيفتك ؟أجابه: غسل الموتى..!