إن المشاركة المجتمعية في إدارة الموارد المائية بمفهومها الواسع تعني توحيد جهود المجتمعات المحلية مع الجهود الحكومية في إدارة الموارد المائية وبما يضمن ديمومة هذا المورد المهم ، ولذلك فإننا عندما نتيح الفرصة أمام المجتمع لإدارة موارده المائية بنفسه وندعم جهوده في هذا المجال فإنه مع مرور الوقت سيتولد لديه الشعور بالمسئولية ، بل أن من أهم متطلبات الإدارة المتكاملة للموارد المائية هو توعية المجتمع وتحفيزه على تشكيل نفسه ضمن ما يسمى بجمعيات مستخدمي المياه التي تهدف إلى إشراك المجتمعات المحلية على مستوى الريف والحضر في إدارة الموارد المائية ، ولهذا فان إشراك المجتمع في إدارة الموارد المائية يعد من أفضل الطرق التي تساعد على المواءمة بين العرض والطلب وتعمل على مراعاة حقوق الانتفاع وحل النزاعات المائية وتنظيم توزيع نسب الاستخدامات المائية على مستوى كل القطاعات . إن هنالك العديد من الشعارات التي ترفع حول موضوع المشاركة المجتمعية في إدارة الموارد المائية ، ومعظم الجهات العاملة في قطاع المياه تطرح بأنها أتاحت الفرصة للمجتمع ليشارك في إدارة موارده المائية ، بينما على ارض الواقع نجد العكس تماما فهناك تغييب واضح لدور المجتمع في إدارة الموارد المائية ، بل أن هناك مركزية شديدة في إدارة الموارد المائية وهذا ما جعل شرائح المجتمع تتعامل مع المياه من مبدأ كل ممنوع مرغوب لأنهم غير مستوعبين حجم المشكلة المائية التي سيتضررون منها هم بالدرجة الأولى لأننا بالفعل لم نستطع توعيتهم بان القضية هي قضيتهم وما نحن إلا جهات مساعدة لهم وبهذا نجعلهم أداة مساعدة لنا في إدارة الموارد المائية لا أداة تعمل ضدنا . إن الإدارة المركزية للموارد المائية تعمل على قتل روح المبادرة لدى أفراد المجتمع ولذلك عندما يواجه المواطنون أي مشكلة مائية في منطقتهم تجدهم ينتظرون الحلول المركزية من الدولة لهذه المشكلة رغم أنه كان باستطاعتهم التغلب عليها وحلها بأقل كلفة واقصر فترة زمنية بدلاً من أن ينتظروا من الحكومة حل تلك المشكلة ، وفي هذا الصدد نستطيع القول أن تجربة الإدارة المركزية للموارد المائية قد فشلت لأنها أغفلت اللاعب الأساسي في إدارة الموارد المائية وهو المجتمع . إن الإدارة السليمة للموارد المائية تستدعي إشراك المجتمع في إدارة هذا المورد بصورة مباشرة ،وتوسيع الشراكة في ادارة الموارد المائية يقصد به تفويض بعض المسؤوليات المتعلقة بإدارة الموارد المائية ونقلها من مستوى المركز إلى المستويات المحلية بهدف رفع كفاءة استخدام ما هو متاح من موارد مائية وتقليل الهدر والبحث عن بدائل لتغطية العجز بطرق ذاتية من أفراد المجتمع وبإشراف الدولة مثل حصاد مياه الأمطار ، وبهذه الطريقة سيشعر المجتمع بان القضية المائية هي قضيته وما الجانب الحكومي إلا جهة مساعدة له في إدارة هذا المورد . إن عدم التنسيق بين الجهات العاملة في قطاع المياه أدى إلى تشتت الجهود المتعلقة بتفعيل دور المجتمعات المحلية في إدارة الموارد المائية ، والدليل على ذلك هو أن لكل جهة عاملة في قطاع المياه خططها الخاصة تكوين جماعات وجمعيات محلية بحسب ما تراه مناسب وبما يخدم مصالحها دون مراعاة لتداخل المهام والاختصاصات وبدون تنسيق بين الجهات ذات. إن هنالك الكثير من الأطر التنظيمية التي تتداول وتطرح بهدف تنظيم المجتمع ضمن مجموعات معينة لضمان مشاركة المجتمع في إدارة الموارد المائية ومن تلك المسميات (جماعات مستخدمي المياه ، جمعيات مستخدمي المياه ، روابط مستخدمي المياه ، اتحادات مستخدمي المياه ثم بعدها لجان إدارة المناطق المائية والأحواض الفرعية وهذه يصدر بها قرار من رئاسة الوزراء ثم بعد ذلك تأتي لجان إدارة الأحواض المائية ويتم تشكيل لجان أدارة الأحواض المائية وفق أحكام قانون المياه رقم (33) لعام 2002م ولائحته التنفيذية ) ورغم تعدد تلك المسميات إلا انه لم يتم ترجمتها على ارض الواقع .إن لدينا بعض التجارب الناجحة في تكون جمعيات مستخدمي المياه وبعض لجان الأحواض إلا أن هذه التجربة بحاجة إلى التقييم والمتابعة المستمرة من الجهات المعنية العاملة في قطاع المياه . لقد حاولت الهيئة العامة للموارد المائية منذ إنشائها عام 1995م وحتى الآن من تفعيل الشراكة المجتمعية في إدارة الموارد المائية وسعت إلى توفير الأطر القانونية لتنظيم تلك الشراكة وساهمت في إنشاء وتشجيع بعض لجان مستخدمي المياه وكذلك متابعة إصدار القانون الخاص بإنشاء لجان الأحواض المائية من رئاسة الوزراء ، كما تابعة الهيئة خلال الفترة الأخيرة استصدار قرار وزاري خاص بإنشاء الاتحادات المائية وبالفعل صدور قرار وزير المياه والبيئة رقم (6) في بداية 2011م ، ورغم صدور القرار إلا انه لم يتم تفعيله إلى الآن مع العلم أن قرار إنشاء الاتحادات المائية يتضمن تفويض الاتحادات بإنشاء روابط مستخدمي المياه بحسب الحاجة مما يتح الفرصة للمجتمع أن يساهم بشكل مباشر في إدارة موارده المائية ، ولذلك فإن تفعيل المشاركة المجتمعية في إدارة الموارد المائية يستدعي وضع اطر مؤسسية لضمان ديمومة وتنظيم العمل المجتمعي . إن الدولة تتحمل مسؤولية تدريب بعض أبناء المجتمع لرفع مهاراتهم وقدراتهم المتعلقة بإدارة الموارد المائية ، كما أن على الدولة العمل على تحفيز المجتمع وتشجيع المبادرات المجتمعية التي تصب في صالح الإدارة السليمة للموارد المائية . إننا كثيرا ما نسمع عن نشوب نزاعات مائية وخاصة في الآونة الأخيرة تتسبب في إزهاق العديد من الأرواح ، ولو أن هناك جمعيات لمستخدمي المياه أو لجان أحواض في تلك المناطق تضم مجموعة من الناس العقلاء لما وقعت مثل تلك النزاعات ولتم السيطرة على تلك المشاكل منذ بدء نشوبها لان من مهام تلك الجمعيات واللجان هو حل النزاعات المائية مراقبة حقوق الانتفاع واستخدامات المياه .إن الإدارة العامة للتوعية ولجان الأحواض في الهيئة العامة للموارد المائية لديها خطة مستقبلية خاصة بتفعيل دور المجتمع في ادارة الموارد المائية من خلال التوعية بأهمية تشكيل جمعيات مستخدمي المياه وكذلك تكوين ما يسمى بلجان الأحواض وغيرها . وفي الأخير نؤكد على ضرورة إشراك المجتمع في إدارة الموارد المائية وان نستفيد من تجارب الدول التي حققت نجاحات في هذا الجانب ، فعلى سبيل المثال كنت في زيارة إلى المملكة الأردنية الهاشمية في عام 2008م للمشاركة في دورة تدريبية وأثناء تواجدنا هناك قمنا بزيارة إلى منطقة غور الأردن ووجدنا أن إدارة الموارد المائية في غور الأردن تمثل نموذجاً ينبغي الوقوف عليه والاستفادة منه وسبب النجاح يرجع إلى التواجد الفعلي والمنظم لجمعيات مستخدمي المياه التي تعمل بطريقة منظمة جدا وتعمل على حل المشاكل في المنطقة دون تدخل الدولة وتعمل على توزيع المياه على المزارعين بشكل عادل ووجدنا ارتياحاً منقطع النظير من قبل المزارعين لهذه الجمعيات ، فلماذا لا نستفيد من مثل هذه التجارب الناجحة ؟ [c1]- مدير عام التوعية ولجان الاحواض بهيئة الموارد المائية[/c]
أهمية إشراك المجتمع في إدارة الموارد المائية
أخبار متعلقة