إعداد / ميسون عدنان الصادق في خضم الزمن يتجرع الشاعر محمود درويش أيامه الآفلة ، ثم يبحث عن نفسه في كتاب الوطن وهو يتلو قصائده بأسى وشجن ليؤكد أن القصيدة بالأمل المشتهى حافلة.اجل هكذا سرب هذا المقطع من قاع قلبي المدمى إلى الفضاء المسجن بعد هوات شعري ثم الم بي فكأني بمحمود درويش يهش بعصاه الشعرية على قطيع أيامي المندلعة كأصدقاء عابرين وغابرين في تخوم الغياب في ديوانة الأخير.درويش يمتطي صهوة القصيدة هو دائماً يعيد إلى النفس الثقة بها وبأنها قادرة على بناء وطن خيالي بالكلمات المجنحة بواسطة الشعر الذي دونه الحياة سراب في ديوانه الجديد «لا تعتذر عما فعلت » تلفحنا منذ البدء أسماء شامخة ( أبو تمام - لوركا - السياب - أمل دنقل - نيرودا- ريتسوس - سليم بركات - وآخرون لا نعرفهم عن كثب» . انه يستدعي هذه الشخصيات جاعلاً منها لثبات في بناء قصائده لتلاقيه معهم في الرأي أو المصير أو طريقة الحياة وهو في كل ذلك لا يتخلى عن طريقته الشعرية المعهودة حيث يمزج التراث بالحداثة ليصنع قصيدته المختلفة السهلة .. الممتنعة من دون التخلي عن الأوزان العروضية وتفعيلات الفراهيدي مع تركيز شديد على الإيقاع الداخلي من خلال التقفية الداخلية وألوان البديع والتضاد والميل إلى الغموض الشفاف الذي لا يصل إلى حد الإبهام. كما يمزج الرومانسية بالواقعية مجترحاً جملاً شعرية وصوراً سريالية من دون أن يتخلى عن التدوير الذي يهمش الروي والقافية ثم يعكس الآية فيهمش التدوير ويركز على الروي والقافية لأنه يكتب على السجية وعفو الخاطر دونما تكلف وادعاء فالشعرية تنساب سيالة عذبة كالماء النمير بين ثنايا الصخور ولا ينسى مفرداته المفضلة المستمدة من الكتب الدينية والأسطورية والهدهد وأمة ونظارته الطبية والديك والمريمية والحصان والوردة الحمراء والمرأة التي تدلك نهدها بالشمس. وهو لا ينسى فلسطينه فها هو ريتسوس اليوناني يصرخ : « آه فلسطين، يا اسم التراب ، ويا اسم السماء ... ستنتصرين..». ومن خلال قضيته الوطنية لا ينسى قضايا الآخرين فهو يرثي حال الأكراد المعذبين في قصيدته « ليس للكردي إلا الريح » المهداة إلى الشاعر الكردي سليم بركات حيث من خلالها تتعرف إلى بعض عادات سليم اليومية ، فعلى دراجته يحمل الجهات ويسكن في الجهة الأخيرة ومن المعروف أن سليماً خرج من قريته « موسيسانا » التي يعتبرها إلى بيروت التي بعثرها إلى قبرص التي بعثرها .. ثم إلى الشمال السويدي يتدفأ بالكلمات ويشدب أطرافها ليدافع عن وجوده « كلماته» وقومه الكرد يقتربون من نار الحقيقة ثم يحترفون مثل فراشة الشعراء ويعبر درويش عن إعجابه بشاعرية سليم الخارقة قائلاً : يفض بكارة الكلمات .. ثم يعيدها بكراً إلى قاموسه ويسوس خيل الأبجدية ويحلق عانة اللغة.. الخ. سليم هذا الذي آوى اللغة وشدبها وعطرها بأريج الشعر يعيش بلا مأوى بل مأواه الريح، على حد قول درويش. ليس للكردي إلا الريح تسكنه ويسكنها وتدمنه ويدمنها إذاً طوبى للريح وهنيئاً لها بسليم وهنيئاً لسليم بها.. يتجرأ دوريش على الاقتراب من نار الكرد تجرأ في يفاعته الشعرية قبل ثلاثين عاماً عندما قال: هل خر مهرك ياصلاح الدين ... هل هو البيارق؟ هل صار سيفك .. صار مارق؟ الموت للأكراد إن قالوا : لنا حق التنفس والحياة. محمود درويش عدة شعراء في شاعر واحد .. انه الفارس النبيل الذي امتطى صهوة القصيدة وما زال في مكانه ومكانته وها هو ظله العالي يخيم علينا في ديوانه الجديد « لا تعتذر عما فعلت».
|
ثقافة
درويش الشاعر الذي لاينسى
أخبار متعلقة