رغم المنافسة المحتدمة، التي ميزت مسابقة “نص الأسبوع” الخاصة بالقصة القصيرة، التي نظمها “غاليري الأدب” في جنس القصة القصيرة، إذ دخلت حلبة السباق أربعون قصة قصيرة، تتميز في أغلبها بالجودة أسلوباً والجدة مضموناً، فقد فازت القصة القصيرة “قطط متشردة” للقاصة اليمنية الشابة انتصار السري صاحبة المجموعة القصصية “ المحرقة” بالرتبة الأولى، ومن الطبيعي جداً أن يتساءل القارئ والمشاركون في المسابقة عن ميزات هذا النص، التي أهلته ليحصل على الرتبة الأولى في المسابقة، ومع يقيننا أن تقييم النصوص الأدبية قد يختلف من قارئ لآخر، وهذا ما يميز النقد الأدبي عموماً، فأظن أنه يمكن إجمال مميزات النص الفائز في ما يلي:[لا يوجد نمط فقرة][فقرة بسيطة]- يطرح النص قضية اجتماعية، لا يمكن للقارئ إلا أن يتعاطف معها، ويتعلق الأمر بقضية الأطفال المتخلى عنهم، وما تسببه من أثر نفسي في ضحايا هذا السلوك الإجرامي، الذي يتقاسم المسؤولية عنه الأفراد والمجتمع، وقد تناولته الكاتبة بدفقة عاطفية زائدة، جعلت كل من يقرأ نصها يشعر بالتعاطف معه، رغم المبالغة في الطرح التي طغت على أجواء القصة.- اعتمدت القاصة على تقنية للكتابة بعيدة عن العفوية، رغم البساطة التي تبدو عليها القصة، فالكاتبة فكرت كثيرا في نصها قبل أن تكتبه، ويتجلى ذلك من خلال النمو الذي عرفته القصة، إذ يبدو نموا مفكرا فيه، يتغيا البلوغ إلى هدف محدد، وقد كانت النهاية الجميلة كاشفة لهذا العمل المفكر فيه في فعل القص، إذ اكتسبت القصة بفضل ذلك خاصية البناء الدائري.- استغلت القاصة قدراتها وخبرتها في الكتابة القصصية، فعمدت إلى تجسيد الأحداث، موظفة الفعل المضارع، الذي يوهمنا بأن الأحداث تقع اللحظة أمام أعيننا، وكأننا نشاهد الشخصية تتحرك على مسرح الحياة وهي تقوم بعملها، ولعل ذلك مما رجح كفة القصة لدى لجنة التحكيم، وهذا التجسيد للأحداث مما ينبغي الاهتمام به من لدن كتاب القصة.- وظفت الكاتبة لغة سهلة غير معجمية أي أن المتلقي لا يحتاج إلى استعمال المعجم لفهمها، وهي بذلك لغة تواصلية إلى أقصى الحدود، لكنها مع ذلك لم تفرط في فنياتها وجماليتها، من خلال حرصها على السلاسة والتكثيف والقصر، فجمل الكاتبة برقية متوترة تجسيدية تلائم إلى حد بعيد جنس القصة القصيرة.وخلاصة القول إن قصة “قطط متشردة” رغم بعض العيوب التي طالتها وخاصة في ما يتعلق بالفترة الزمنية الطويلة التي اختزلتها، والتي يبدو جنس القصة وليست القصة القصيرة أكثر ملاءمة لها، فإنها توفرت على كثير من الميزات الفنية، التي جعلت منها نصا يستحق التتويج، أقول ذلك دون التقليل من أهمية النصوص الأخرى التي نافستها على الظفر بشرف “نص الأسبوع” المنظمة من طرف “غاليري الأدب”.(قطط متشردة)انتصار السريبجوار ذلك الرصيف نبذ، صوت مواء القـطط المــتشـردة، المتسكعة يـتداخل مع بكائه، ذباب متطاير، تذورات متناثرة بجوار ذلك البرميل، رائحة بوله ممزوجة برائحة عفن، صوت بكائه يـشتد، يستـنجد أحد المارة، امرأة ثـلاثينـية تقذف بأكياس القمامة، صراخ ذلك الطفل يفزعها، تفتش عن مصدره ، تزيح تلك الأكياس، تمسح وجهه، تحتضنه، طفل رضيع لا شيء يدثره غـير قطعة قماش ملفوف بـداخلها، تشعرها أنه لف داخل كفن، تفرح به، تحمله إلى منزلها، تـنظفه، تدفـئه، ترضعه، تربيه بـين أولادها كواحد منهم يكبر، يـشـتد عوده، يلعب مع أقرانه في الشارع، صوت يخترق أذنيه:ــ هيى أنت !! لا تلــعب معنا .. أذهب أيها اللقيط ... لا يعرف ما تعني تـلك الكلمة، تخــتزلــها ذاكرتــه يشب، يتفوق فــي دراسته، تقذف بوجه كلمة نفذت إلى مسامعه:ــ أتتفوق علي يا أبن الحرام .. تتـشابك الأيادي، تدمي الوجوه، تنهك كرامته، ينزف القـلب قــبل الجسد !! فماهو إلا أبن زنا، يقـسم أن ينتقم من تلك الخاطئة، من دنست طهارته .تمر الأعــوام ، يحصد أعـلى الدرجات، يتخرج بدرجة امتياز مع مرتـبة الـشرف، يعيني غــيره مــعيد، لا تنفعه مــرتـبة الشــرف،هـو كما قــيل لا نسب له، أنه أبن الزانية، يا لتلك الكلمة كيف حطمته، يفتش عن تلك الزانية في خيال أي امرأة تمر بقربه. بحلو حديثه ينسج شباكه، جسده الوسيم وبريق عـينيه تساعدانه في اصطيادهن، يتساقطن بـين ذراعيه كأوراق الخريف، يملهن، يتركهن ، يفتش عـن غيرهن .تمر حياته من مـستنقع إلى مسـتنقع آخر أشد عمقاً، يعمل في التهريب، ترتفع أرصدته في البنوك، يستمر في نهب أجساد الفتيات، يزهو بعد كل انتصار له، يتشفى عند ذرف الدموع المنهمرة الراجية أن يتستر عـليها، يكافئها بركلها بحذائه الملمع، ينـتشـي يفرح لقول أحداهـن أنها حامل، ترتسم البسمة على ثغره، يعدها بالزواج، يعتني بها، تضع مولودها، يخطفه من بين أحضانها، يلفه بقطعة قــماش، يضعه بداخل كرتون بجوار برميل القمامة، تهب عاصفة، تقـتلع الرياح غطاء الكرتون، يتبـدد ظل ذلك الرجل، أجدني أنا ذلك الرجل المنبوذ متكوراً دخل الكرتون، صدى صوت صرخات بكائي المتداخلة مع مواء قـطط متشردة ، تهز وجدان امرأة ثلاثينية ، ترمي بأكياس القمامة .
|
ثقافة
قراءة نقدية في قصة (قطط متشردة ) الفائزة بمسابقة غاليري الأدب
أخبار متعلقة