الزعيم في كلمته في المؤتمر الشعبي بتعز:
أيها الإخوة الأعزاء.. أيها الإخوة الأحرار.. أيها الإخوة الثوار:رأيت الشعب اليمني فيكم اليوم فى تعز كما رأيته بالأمس فى صنعاء تتمثل فيه القوة والعزة والثورة والحرية، هذا الشعب اليمني الذي صمم على الحرية فثار ونصره الله وحقق له العزة والكرامة والحرية.أيها الإخوة الأعزاء:كان اليمني دائماً رافعاً لواء الإسلام ورافعاً لواء الحرية في مشارق الأرض ومغاربها حتى تكتل عليه الأئمة وأذاقوه ثوب الذل والعذاب، وحبسوه بين حدوده، ومنعوه من أن ينشر رسالة الحرية والإسلام في العالم، فهل استكان الشعب اليمنى؟ أبداً.. لم يستكن الشعب اليمنى، بل ثار دائماً على الذل وعلى العبودية وعلى حكم الاستبداد وعلى حكم الإرهاب، ثار دائماً ولم ترهبه تقطيع الرؤوس ولم يرهبه الموت، ولم ترهبه السجون، ثار لأنه الشعب الأبي الحر، والشعب الأبي الحر لا يمكن بأى حال من الأحوال أن يقبل الذل والعبودية حتى قامت طليعة الشعب اليمني بقيادة الرئيس الحر السلال في يوم ٢٦ سبتمبر سنة ٦٢، قامت لتدك معالم الذل ولتدك الرجعية والاستبداد، وأراد الله لها أن تنتصر فانتصرت، وكان انتصارها انتصاراً لكم جميعاً أنتم شعب اليمن الحر الذي صمم دائماً على الحرية، وكافح وقاتل دائماً من أجل الحرية.وإني اليوم إذ رأيت فيكم القوة كما رأيتها بالأمس في إخوتكم في صنعاء، أشعر أن شعب اليمن لم يضعف أبداً ولم يستكن أبداً طوال مئات السنين من الذل والعبودية لأنه في كفاحه كان يزداد قوة وكان يشتد إيمانه، ورأيت فيكم اليوم من المطار حتى هذا المكان القوة العربية الأصيلة والقوة الإسلامية الأصيلة، كما رأيت هذا بالأمس في إخوانكم في صنعاء؛ رأيت فيهم روح الحرية وروح الثورة.أيها الإخوة:أنتم شعب يمنى واحد أراد الاستعمار أن يفرق بينكم، وأراد الاستعمار أن يقسمكم شيعاً وأحزاباً، ولكن إرادة الله وإرادتكم كانت فوق إرادة الاستعمار فلم يفلح الاستعمار ولم تفلح الرجعية في أن تقسمكم وأن تفرق بينكم؛ لأن ما أراه هنا اليوم هو ما رأيته بالأمس في صنعاء، الشعب القوي.. الشعب المتحد.. الشعب الحر.. الشعب الثائر.أيها الإخوة المواطنون.. أيها الإخوة الأعزاء:حينما قامت ثورتكم في ٢٦ سبتمبر هزت عروش الرجعية وهزت معاقل الاستعمار وتصدت لكم الرجعية وتصدى لكم الاستعمار؛ حتى يهزموكم وحتى يقضوا على ثورتكم، ولكن قوتكم وإيمانكم بالله وبوطنكم وإيمانكم بحريتكم وحياتكم العزيزة الكريمة؛ استطاع هذا كله أن يقضي على مؤامرات الرجعية، وأن يقضي على مؤامرات الاستعمار فتصدت الرجعية واحتضنت البدر، وتصدى لكم الاستعمار واحتضن الأئمة الذين حكمتم عليهم بالنفى، وحكمتم عليهم بالموت، وحكمتم عليهم بأن يخرجوا من دياركم لأنهم أفسدوا بين أرضكم، تصدى لكم الاستعمار وهو يعتقد أنه بث بينكم الفرقة فسينتصر، وهو يعتقد أنه بث بينكم الحزبية فسينتصر، وهو يعتقد أنه بث بينكم الضعف فسينتصر، ولكن قوتكم - أيها الإخوة الأحرار - استطاعت أن تتغلب على معاقل الرجعية وعلى معاقل الاستعمار.لقد تصدت لكم بريطانيا.. بريطانيا العظمى - كما يقولون - لماذا تصدت لكم؟ لأنها خافت منكم أنتم ومن ثورتكم؛ لأن ثورتكم ونجاح ثورتكم إنما يقضي على الاستعمار وألاعيب الاستعمار. كانت بريطانيا تتصدى لثورتكم ونحن نعلم - ونعلنها اليوم على الملأ جميعاً - أن بريطانيا منذ عدة أشهر ترسل الأسلحة لكي تضرب ثورتكم، ولكن الأسلحة لم تستخدم ضدكم بل ارتدت إلى صدور الاستعمار وإلى أعوان الاستعمار في عدن.إنكم - أيها الإخوة - الشعب الحر، الشعب الموحد، الشعب القوي، الشعب الثائر الذي لا يرفع فيه فرد السلاح على أخيه ولكن الإستعمار أراد منكم أن تحملوا السلاح ضد بعضكم البعض؛ حتى يؤمن لنفسه البقاء في عدن والبقاء في الجنوب المحتل. لقد اغتصبت بريطانيا عدن منكم، واغتصبت بريطانيا الجنوب المحتل من اليمن بالقوة وبالخديعة وبالتآمر وبالمساومات مع الأئمة السابقين، ولكن بريطانيا تعلم علم اليقين أن الأمة اليمنية إذا تحررت وأن الشعب اليمني الثائر إذا نفض عن نفسه لباس الذل والهوان بطرده للأئمة وللخونة؛ إن الشعب اليمني القوي لن يمكن لبريطانيا - التي يقولون عليها العظمى - بأن تبقى في عدن أو أن تبقى في الأجزاء المغتصبة من الجنوب.إن الشعب اليمني الذي ثار في ٢٦ سبتمبر والذي ثار قبل ٢٦ سبتمبر والذي ضحى بالأرواح وضحى بالدماء، الشعب اليمني الذي كتب الله النصر له يوم ٢٦ سبتمبر، يعلم علم اليقين أن هذا النصر معناه دين عليه لإخوة له وقعوا تحت ربقة الاستعمار ووقعوا تحت ذل الاستعمار في عدن وفي الجنوب المحتل.إن الشعب اليمني الذي ذاق طعم الحرية والذي ذاق طعم الثورة لن يتخلى عن إخوة له في عدن يذوقون طعم الذل وطعم الاستعباد من الاستعمار البريطاني، وفي الجنوب المحتل يذوقون طعم الإرهاب ويذوقون السجون من الاستعمار البريطانى. إن الأمة العربية كلها تؤيد عدن وتؤيد الجنوب المحتل من أجل الحرية ومن أجل الاستقلال.وإنني حينما سمعت بيان وزارة الخارجية البريطانية أول أمس وهي تحتج إلى الأمم المتحدة على الكلمة التي قلتها لإخوتكم في صنعاء، وهي تحتج على هذه الكلمة وتبلغ السكرتير العام للأمم المتحدة أن ما قاله عبد الناصر في اليمن بخصوص استقلال عدن وبخصوص استقلال الجنوب المحتل إنما يسبب نقضاً لقرار مجلس الأمن.إن بريطانيا تغالط وإنها لا تشعر بالحياء، إنها تغالط - أيها الإخوة الأعزاء - لماذا تغالط بريطانيا؟ إن ما قاله عبد الناصر في اليمن هو ما قالته الأمم المتحدة، وإن ما قاله عبد الناصر في اليمن هو ما قالته لجنة تصفية الاستعمار في الأمم المتحدة، إن ما قاله عبد الناصر هو ما قررته الأمم المتحدة ولجنة تصفية الاستعمار في الأمم المتحدة، لقد قررت الأمم المتحدة أن تستقل عدن والجنوب المحتل وأن يعلن فيها تقرير المصير.لقد أعلنت الأمم المتحدة ولجنة تصفية الاستعمار أن تستقل عدن والجنوب المحتل، وأن يطبق فيها مبدأ تقرير المصير، وأن تص في قاعدة الاستعمار البريطاني في عدن، وأن ترسل لجنة من الأمم المتحدة إلى عدن والى الجنوب المحتل لكي تستقصي الحقائق، فماذا كان تصرف بريطانيا؟ رفضت بريطانيا توصيات الأمم المتحدة، ورفضت بريطانيا استقبال اللجنة التي قررتها الأمم المتحدة، وبالأمس تتناسى بريطانيا كل ذلك، وتفقد كل شىء حتى الحياء، وتحاول أن تخدع العالم أجمع بأن تقول أن ما قاله عبد الناصر في اليمن يتنا في مع ما قالته الأمم المتحدة.إننا نقول لهم: إن تصرفكم الاستعمارى في الجنوب المحتل وفي عدن، وفي البقاء على قاعدة بريطانية في عدن يتنا في مع ما قررته الأمم المتحدة، إن تصميمكم على حجب الاستقلال عن عدن والجنوب المحتل يتنا في عن ما قررته الأمم المتحدة ولجنة تصفية الاستعمار، فشيء من الحياء يا بريطانيا العظمى.. شىء من الحياء حتى لا نشعر نحوكم بشيء من الاستعمار.إن إذاعة لندن منذ عدة أيام - من ٤٨ ساعة - نادت بضرورة انسحاب القوات المصرية من اليمن، لماذا؟ حتى تستطيع بريطانيا أن تتسلل بأفرادها. إننا نقول لهم إننا هنا شعب واحد لا فرق بين يمني ومصري، إننا أمة عربية واحدة.. إننا نقول لهم إننا أمة عربية واحدة أراد لنا الاستعمار التفرقة وخلق الاستعمار الحدود بيننا، أراد لنا الاستعمار أن يضرب بنا الآخر، وأراد لنا الاستعمار أن يفرق الصفوف وأن يفرق بين الأهداف، ولكنا اليوم نشعر بقوتنا، نشعر بأننا نستطيع أن نهزم الدول الكبرى.و في سنة ٥٦ كان هناك إخوة لكم في بورسعيد وفي مصر استطاعوا أن يهزموا الدول الكبرى، وأن يردوها على أعقابها مندحرة.. هذا - أيها الإخوة - ما نعرفه عن أنفسنا الآن، هذا - أيها الإخوة - ما نعرفه عن بلادنا الآن، نحن العرب أمة واحدة كل بلد منا يشد أزر الآخر. وحينما قامت الثورة في ٢٦ سبتمبر أيدناكم منذ أول دقيقة، ولكن حينما تصدت الرجعية وتصدى الاستعمار لكم؛ صممنا على أن نقف بجانبكم وصممنا على أن نشد أزركم ضد الرجعية وضد الاستعمار؛ لأننا كلنا نشعر أن حريتكم حرية لنا، وأن ثورتكم ثورة لنا، وأن قوتكم قوة لنا. كنا نشعر هذا وأن ثورتكم ثورة العرب جميعاً وقوتكم قوة العرب جميعاً، كنا نشعر أن حريتكم إنما هي حرية للعرب جميعاً، كنا نشعر أن اليمن الذي كافح دائماً ولم يقف عن الكفاح، والذي ثار دائماً ولم يقف عن الثورة؛ أراد الله له أن ينتصر وأراد الله له أن يؤيده حينما يتصدى له الاستعمار وحينما تتصدى له الرجعية.إننا - أيها الإخوة - معكم هنا بإذن الله ومعكم هنا بعون الله لتنتصر ثورتكم ولتقوموا بدوركم الأبدي بين الأمة العربية لترفعوا رسالة الإسلام، ولترفعوا رسالة الحرية التي رفعتموها دائماً على مر السنين. منذ آلاف السنين، منذ الدعوة الإسلامية كان اليمن هو رافع راية الإسلام وهو رافع راية الحرية، واليوم بعد عام ونصف من الثورة أشعر أنكم انتصرتم وستعودون كما كنتم سيرتكم الأولى، ترفعون راية الإسلام وترفعون راية الحرية في كل مكان، وترفعون راية الوحدة الوطنية، ولن تمكنوا أبداً الاستعمار ولن تمكنوا أبداً الرجعية من أن تفرق بينكم تحت أي اسم من الأسماء؛ تحت أسماء الحرية أو أسماء الطائفية، كلنا عرب لن يستطيع أي فرد أن يفرق بيننا، كلنا عرب نعرف واجبنا، كلنا عرب نعرف هدفنا، إن هدفنا هو الحرية.. إن هدفنا هو الحرية وإن هدفنا هو الاستقلال، وأراد الله لنا أن نحقق الحرية وأراد الله لنا أن نحقق الاستقلال فانتصرنا.واليوم بعد عام ونصف من الثورة نشكر الله من كل قلوبنا أنه نصرنا على الرجعية، ونصرنا على الاستعمار، ونعاهد الله أن نسير في طريق الحرية، وأن نسير في طريق الثورة، وأن نسير في طريق الوحدة العربية؛ من أجل عزة العرب جميعاً، ومن أجل رفعة العرب جميعاً.هذا - أيها الإخوة - هو واجبنا جميعاً نحو الأمة العربية، هذا - أيها الإخوة - هو ما دعانا إلى أن ندعو إلى مؤتمر القمة العربية لندعو الأمة العربية كلها.. رؤساء وملوك الأمة العربية كلها ليجتمعوا في القاهرة حتى نوحد الجهود ضد إسرائيل، وحتى نوحد الجهود ضد الاستعمار، فإن الاستعمار هو الذي خلق إسرائيل، فلولا بريطانيا ما كانت إسرائيل؛ فبعد الحرب العالمية الأولى أعطت بريطانيا الانتداب على فلسطين ومكنت بريطانيا اليهود من الهجرة إلى فلسطين، فحينما دخلت بريطانيا إلى فلسطين كان اليهود فيها لا يزيدون عن ٥%، وفي سنة ٤٨ وصل اليهود في فلسطين إلى أكثر من ٥٠%، بفعل بريطانيا التي أعطتهم وعد «بلفور» في سنة ١٧ بأن تجعل من فلسطين وطناً قومياً لليهود.بريطانيا تآمرت عليكم كما تآمرت على المسلمين في جميع أنحاء العالم، تآمرت على العرب وأرادت أن تذل العرب لأنها كانت تعتقد أن ذلة العرب إنما تذل الإسلام في جميع أنحاء العالم، وأعطت بريطانيا فلسطين لليهود، وخرجت في ١٥ مايو سنة ٤٨ وتركت الفلسطينيين الذين وكلت بالانتداب عليهم بواسطة عصبة الأمم بعد الحرب العالمية الأولى.. تركتهم لقمة سائغة للصهيونية العالمية يأخذون فيها تقتيلاً وتشريداً حتى خرج من فلسطين أكثر من مليون عربي.إن بريطانيا هي المسئولة الأولى عن هذا، إن بريطانيا هي التي أرادت أن تضعف العالم العربى، ولكنا اليوم بعد أن هزمنا بريطانيا نعرف ما هي قوتنا ونعرف أن العالم العربي في كل مكان وفي كل بقعة منه يستطيع أن يتآزر ويتحد وأن يتصدى للاستعمار؛ لهذا كان مؤتمر القمة الذي نص على أن نتصدى لإسرائيل، ونص على أن نقيم قيادة موحدة للجيوش العربية، ونص على أن تزيل الخلافات بين الأمة العربية، ونص على أن تمنع الإذاعات وتمنع المهاجمات بين الدول العربية، وكنا قد التزمنا بهذا، وكنا قد التزمنا بكل ما جاء في مؤتمر رؤساء وملوك الأمة العربية.قام الرئيس أحمد بيلا والرئيس عبد السلام عارف بخطوات موفقة. إن انتصار عبد السلام عارف في العراق كان نصراً لكم.. كان نصراً للقومية العربية.. كان نصراً للثورة العربية.. كان نصراً للحرية العربية.وحينما قام عبد السلام عارف بثورة الأحرار الأخيرة يوم ١٨ نوفمبر في العراق شعرنا أن قوة العرب قد ازدادت بعبد السلام عارف وثورة عبد السلام عارف، وحينما نصر الله عبد السلام عارف وإخوة عبد السلام عارف شعرنا أن الله ينصرنا في مصر وأن الله ينصرنا في اليمن؛ لأن البعثيين كانوا قد تصدوا لنا واتبعوا مخطط الاستعمار ضد القومية العربية وضد الأمة العربية وضد الثورة العربية، وحينما انتصر عبد السلام عارف وهزم البعث في العراق، كان هذا - أيها الإخوة - نصر من الله لكم في كل مكان.وأنا أحب أن أقول لكم إن انتصار عبد السلام عارف البطل الحر الثائر.. البطل المسلم العربي.. الرجل الذي رفع راية القومية العربية في سنة ٤٨، يوم انتصر عبد السلام عارف في نوفمبر حمدت الله من كل قلبى؛ لأني كنت أعلم أن نصر عبد السلام عارف هو نصر للأحرار في كل مكان، نصر للثورة في كل مكان، نصر لكم هنا في تعز.. نصر لكم هنا في صنعاء.. نصر لكم هنا في اليمن الثائر الحر.. نصر لنا في مصر.وسار عبد السلام عارف في طريق القومية العربية وفي طريق الحرية وفي طريق الاستقلال، وكان الله قد نصرنا قبل ذلك بنصرة أحمد بن بيلا في الجزائر فحينما استقل الجزائر وانتصر بن بيلا في الجزائر حمدنا الله من كل قلوبنا؛ لأننا كنا نشعر أن نصر الجزائر هو نصر لنا، وأن ثورة بن بيلا في الجزائر هي ثورة لكم هنا في اليمن وهي ثورة لنا هناك في مصر، وهي ثورة للثوار العرب جميعاً وللأحرار العرب جميعاً.ولهذا التقينا في مؤتمر القمة، وبعد مؤتمر القمة أرسل عبد السلام عارف، وأرسل أحمد بن بيلا مندوبين لهما إلى القاهرة ثم إلى مكة والى الرياض لكي يحلا سوء التفاهم بين مصر والسعودية، ولكي نقضي على المؤامرات التي أراد الاستعمار أن يبثها بين النفوس. واستطاع هذا المسعى الحميد من أحمد بن بيلا وعبد السلام عارف أن يجد صدى في قلوبنا وأن يجد صدى في قلوب الأمير فيصل في السعودية، وبعد هذا ذهب المشير عبد الحكيم عامر والسيد أنور السادات إلى السعودية، وكان هدفهم من هذا أن يطمئنوا السعودية إننا لا ننوى شراً بأبناء السعودية فإنهم إخوة لنا.. إنهم عرب.. إنهم مسلمون، ونحن لهم دائماً.. نحن لهم القوة التي تسندهم في جميع الظروف وفي جميع الأحوال، وأنتم أيضاً.. أنتم اليمن القوة التي تقف على حدودهم وتسندهم في جميع الظروف وفي جميع الأحيان. ونحن أيضاً - أيها الإخوة - لا نضمر لأي عربى أي شر بل نريد للعرب جميعاً الخير والعزة والكرامة، ولكنا نتصدى لأعوان الاستعمار؛ لأن أعوان الاستعمار إنما هم خوارج على الأمة العربية، إننا نريد أن يقوم بيننا وبين السعودية عهد جديد من المحبة ومن التآخي ومن الوفاق حتى لا نعطي الاستعمار البريطاني فرصة لكي يبث الفرقة والخلاف بين الأمة العربية.إنني - أيها الإخوة - بالأمس قد استغربت أشد الاستغراب حينما استمعت لخطاب للحكام البعثيين في دمشق، يقولون فيه: إن مصر مسئولة عن الثورة التي تجتاح سوريا الآن؛ كأنما شعب سوريا ليس بالشعب البطل، إن الشعب السوري كان دائماً الشعب البطل الذي لا يخاف الرصاص ولا يخاف الموت ولا يهاب العذاب، إن الشعب السوري لم يكن أبداً في حاجة إلى من يدفعه إلى الثورة، إن الشعب السوري كان دائماً هو الشعب الحر، هو الشعب الثائر، لا ينتظر مالاً لكي يقوم بالثورة ولا ينتظر تحريضاً لكي يقوم بالثورة، إن الشعب السوري لم يقبل أبداً الذل ولم يقبل الهوان، إن الشعب السوري الذي راح منه مئات الضحايا في الأسابيع الماضية هو الذي ثار؛ لأنه لا يقبل الذل البعثى ولا يقبل هوان البعثيين، إن الشعب السوري الأبي الذي هزم فرنسا، وتصدى لها بالصدور العزلاء لا يخاف أبداً ولا ينتظر من يموله بالمال ولا ينتظر من يموله بالسلاح.وأنا أعلم عن الأيام الماضية أن الشعب السوري الأعزل خرج وتلقى رصاص الدبابات في الصدور، وتلقى رصاص الدبابات في أرواحه، وتلقى قنابل الدبابات في منازله، لم يكن هناك من يعينه ولم يكن هناك من يشد أزره إلا الله وإلا قوة إيمانه بحقه في الحرية والحياة، وحقه في أن يقوم بدوره الحر، ولكن حكام سوريا من البعثيين أرادوا أن يهينوا الشعب السوري إهانة أخرى فقالوا بالأمس إن مصر أعطت لهم الأموال وهم بهذا يكذبون؛ يكذبون على الله ويكذبون على أنفسهم ويكذبون على الشعب السورى، إن الشعب السوري ليس بالشعب الذي يقبض الأموال؛ لأنه شعب من الأحرار، إن الثورة في أي مكان لا يمكن أن تقوم بالمال، إن الثورة في أي مكان لا يمكن أن تقوم إلا بالإيمان؛ الإيمان بالله والإيمان بالوطن والإيمان بالحرية.إن سوريا حينما ثارت في حماة وحينما تصدت للدبابات، وحينما قامت في حمص وحينما تصدت للدبابات، وحينما ثارت في حلب وحينما تصدت للدبابات، وحينما ثارت في دمشق وفي درعا وفي دير الزور وتصدت للدبابات وللطائرات لم تكن تفعل هذا لقاء أجر معلوم كما يقول الحكام البعثيين؛ لكنهم فعلوا هذا لأنهم يؤمنون بالله ويؤمنون بأنفسهم ويؤمنون بحقهم في الحرية والحياة.إنني اليوم لأول مرة أتكلم لأن الحكام البعثيين في سوريا نقضوا بالأمس ما قرره مؤتمر القمة لرؤساء وملوك العرب واتهمونا علانية وسبوا عبد السلام عارف. وإننا كنا نسمع الحوادث في سوريا وقلوبنا تقطر دماً، ولكننا كنا نسكت على مضض لأننا كنا نلتزم بما قرر مؤتمر القمة. أما بعد أن نقض هؤلاء الحكام البعثيون - في هذه الأيام أو بالأمس - هذا القرار الذي قرره مؤتمر القمة فإننا نتساءل: لماذا نقضوه؟ هل لأنهم يتعاونون مع بريطانيا؟ إننا في معركة مع بريطانيا، فهل هم عملاء لبريطانيا حتى يقوموا في هذا الوقت ليساندوا بريطانيا وليبثوا بين ربوع الأمة العربية الفتنة والفرقة، وليقضوا على مقررات مؤتمر القمة العربي؟إنني بالأمس حينما تلقيت هذا البيان، وهذا الاتهام وهذا السب في مصر وفي عبد السلام عارف وفي العراق شعرت لأول وهلة أن هناك علاقة بما يدبر في عدن وبين ما يدبر في دمشق، وأن هناك علاقة بين ما يدبره البريطانيون الاستعماريون مع حكام الجنوب المحتل العملاء، علاقة بما أذاعته بالأمس بيانات حكام دمشق من البعثيين، هل هناك عمالة في الأمر؟ هل هناك عمالة في الموضوع؟ أو هل يريد حكام سوريا من البعثيين أن يضللوا ويغروا بالشعب السورى؟ إن الشعب السوري لا يمكن أن يضلل، إن الشعب العربي لا يمكن أن يضلل، هل استطاعت الإمامة أن تضللكم؟ أبداً، لقد صممتم وثرتم، هل ثرتم إلا لأنكم تؤمنون بالله وتؤمنون بحقكم في الحرية والحياة؟.هذا هو نهج ثوار سوريا.. وإنا نرجوا لسوريا.. سوريا الشقيقة.. سوريا العزيزة.. سوريا الحبيبة أن يجنبها الله هذا الإرهاب وهذا الذل وهذا الهوان. إننا نساند الشعب السوري الحر البطل بكل قوانا وبكل أرواحنا، إنا نسانده معنوياً ولكنا لا ندفع له الأموال؛ لأننا نعلم أن من يأخذون الأموال لا يمكن بأى حال من الأحوال أن يكونوا ثواراً.أيها الإخوة الأحرار:لقد ناديتم بالوحدة العربية وأحب أن أقول لكم: إن الوحدة قائمة فعلاً.. إن الوحدة قائمة بيننا وبينكم.. هذه الوحدة قائمة بيننا وبينكم.أيها الإخوة.. أيها الإخوة الأعزاء:هذه الوحدة قائمة فعلاً بيننا وبينكم من أول يوم لأيام ثورتكم، ولكنها ليست وحدة مواثيق وليست وحدة دساتير، بل هي وحدة الدم، لقد سفك الدم المصري مع الدم اليمني هنا على الجبال وفي الوديان وعلى الحدود، هذه هي وحدتنا وحدة القلوب.. وحدة الدم.. وحدة العقيدة.. وحدة الهدف. وأنا قد قلت قبل الآن إننا لن نستطيع أن نصل إلى وحدة مكتوبة قبل أن تنتهى العمليات العسكرية، وقبل أن تعود القوات المصرية، ولكني أقول لكم إن الوحدة قائمة فعلاً، لقد قلت هذا بالأمس للرئيس السلال.أيها الإخوة.. أيها الأحرار.. أيها المواطنون الأعزاء.. أيها الإخوة الثوار.. أيها الإخوة الأحرار:لقد رأيت اليوم قوتكم كما رأيت بالأمس قوة إخوانكم في صنعاء، رأيت قوة الشعب اليمني وأنا أشد اطمئناناً عليكم وعلى ثورتكم فسيروا على بركة الله، والله ناصركم، والله موفقكم.والسلام عليكم ورحمة الله.