فنان ترك بصمات رائعة تتحاكى الأجيال عنها
علي عبدالله الدويلةيعد الفنان الراحل هاشم علي من قلائل المبدعين في اليمن عموماً والرائد الأول في الحركة الفنية التشكيلية وقامة فنية كبيرة في مجال فن الرسم تميزت خلفيته الثقافية بالبحث عن المفاهيم والقيم والمثل العليا وكيف يمكن معرفة الأسس واستعمال الأدوات الفنية من خلال المزايا الجمالية الروحية الساحرة في الفن التشكيلي التي تتجسد من خلال الأفكار الإنسانية والرؤى الثقافية وبالخصائص الموضوعية وبالانطباعات الفنية وتحمل في جوفها الكثير من الحقائق الموضوعية والأمور السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تتمحور في جوهر القضية الفكرية. عاش الفنان هاشم علي في مدينة تعز ذات الطبيعة الساحرة بالمناظر الخلابة وكان لجمالها وتنوع تضاريسها وتراثها الفلكلوري وعراقة حضارتها الأثر البالغ في نفسه وهذا مما جعله يعبر عن مشاعره وأحاسيسه بطريقته الفنية الخاصة وفي عام 1967م انتقل الفنان هاشم علي الى مدينة الحديدة لإثراء مواضيع لفنه التشكيلي ثم عاد الى مدينة تعز عام 1969م ليستقر فيها بشكل دائم ولتكون نقطة انطلاقة الى جميع المحافظات ليستلهم من وحيها لوحات أعماله القادمة. كان ابوه يعمل تاجراً بسيطاً مترحلاً عاش الفنان جزءاً من طفولته في اندونيسيا وهناك تلقى جزءاً من تعليمه ثم عاد الى حضرموت وفيها تابع دراسته في الكتاب وفي الثامنة من عمره اجتذبته الفنون فبدأ مشواره الفني يتعلم النحت على يد أستاذه علي علوي الجفري خلال فترة لم تتجاوز الثلاثة اشهر كان فيها أستاذه منضبطاً كما يصفه الفنان.وفي عام 1955 توفي والده مما جعل الفنان مضطراً لترك دراسته بحثاً عن لقمة العيش الضرورية بعدها انتقل الفنان من حضرموت الى ابين بحثاً عن عمل ومن ثم الى عدن وهناك قدر له ان يلتقي عدداً من الفنانين الموجودين فيها ابان الاحتلال البريطاني حيث كانت الفنون التشكيلية ذات رواج في تلك الفترة وهناك تشكلت معالم هويته وتحققت له رغبته في الاحتراف الفني وفي عام 1962م هبت رياح الثورة السبتمبرية المجيدة فلاحت للفنان فكرة السفر الى الشطر الشمالي فتحقق له ما اراد، ومن اللوحات الفنية الرائعة التي نالت إعجاب الكثيرين من عشاق الفن التشكيلي وتعبر تعبيراً صادقاً ومباشراً عن ثقافة المجتمع الإنساني وتعد مقياساً صحيحاً لطموحاته :منظر من تعز والمداح والمشرعة والغروب وأديب السلطان، ولكن منذ مطلع الثمانينات بدأت محاولات الفنان هاشم علي في البحث عن ذاته واصالته وحداثته في اعماله الإبداعية البصرية وذلك من خلال التعرف على ثقافة الشعوب الفلسفية والدينية من خلال الفرص التي أتيحت له لزيارات بعض البلدان العربية وبدأ الفنان في هذه المرحلة إنتاج أعماله الحبرية الأبيض والأسود التي توصف بالتميز والانفراد في الأسلوب المستخدم في تنفيذها وقد شكل الإنسان جوهر أعماله وجسد من خلاله نزعته المادية لعنصر القوة والإصرار الذي اتخذ أسلوب المبالغة في إبراز العناصر المكونة للعمل الفني تأكيداً لعنصر الفكر الجلالي المراد طرحه مع اكتساب اللوحة العنصر الجمالي والشكلي لإعطائها التوازن والحركة الديناميكية للجسم داخل مساحة الورق ومن ثم بدأت الأعمال الحبرية أكثر رصانة وذلك تأكيداً للجانب الفكري المكون لعنصر الشكل فكانت الخطوط أكثر سماكة وتكسراً ومع بداية التسعينات أصبحت الخطوط اكثر مرونة وروحانية مع ديناميكية سابحة ومن اللوحات الفنية التي تناولها الفنان هاشم علي ابيض واسود : الجنبية والحقل والراعية وانا والشمس والأمومة ورقصة الجنبية والصياد وبقرتي والحنجل والمداعة وصائد الشمس ولاعبة العجل والأبال والرازي والوجه وطبل ومزمار وضارب الطار وعازف الناي وبائع السمك ولكن الوقوف بصورة متكاملة عند التجربة الإبداعية للفنان هاشم علي امر يحتاج الى دراسة مطولة ورؤية موضوعية بحتة لابد من متابعة حياة ونتاج هذا الفنان وهو في الحقيقة بحث يتضمن تاريخ الحركة التشكيلية اليمنية المعاصرة بتطوراتها وملامحها المختلفة التي ارتبط بها وكان في مقدمة جيل وضع لها أسسها وبدايتها الأولى متجاوزاً بذلك فاصلاً زمنياً كبيراً وقطيعة شاسعة بيننا وبين معظم أشكال الفنون وعلى الرغم من انه بعد تمكنه في سنواته الأولى وقدرته الفنية من الإلمام الواسع بقواعد الرسم والتصوير وإنتاجه العديد من اللوحات التي يتداخل فيها الأسلوب المدرسي والواقعي فقد تحول الى التعبير ضمن اتجاهات حديثة كالتكعيبية والتجريدية الا انه اخذ يتراجع شيئاً فشيئاً باتجاه المنحى الواقعي الى الواقع المادي بدون مباشرة او نقل حرفي حيث اضحى تكوين لوحاته يعتمد على لغة التشكيل من جزئيات المحيط الخارجي وليس الواقعية في كثير من أعماله تصميماً جديداً أعاد تشكيله من المفردات المحسوسة من دون ان يتقيد بتركيب وبناء الشكل ضمن إطار الحقيقة البصرية بل العكس اذ انه يعتمد على إلغاء القياسات الشكلية المتعارف عليها ويلجأ الى معاييره الذاتية التي منها يحقق حضور عالم لا مرئي فيكون التمثيل المادي موجوداً بطريقة عرضية لا تجعل منه هدفاً في حد ذاته ففي اللوحات مثل الراقصة والأمومة وعازف الناي وضارب الطار ولاعب العجل يتحول الجزئي الى كلي والمادي الى روحي ذلك لانه يربط بين الشكل والجوهر ويمعن في إضفاء دلالات شتى تجعل المشاهد يتعامل مع المشهد الواقعي كما لو كان يكتشف حياة لا واقعية .ولذلك قد يصعب على الإنسان الوصول إلى التميز عبر سلوك الطريق المنفعل الخارج عن حقيقة الذات ناهيك عن الفنان وتميز أعماله الفنية ومما يميز هذه الفترة من مسيرة الفنان هاشم علي أن مرسمه أصبح قبلة يؤمها العديد من الهواة والراغبين في تعلم الفن التشكيلي بل أضحى مرسمه ملتقى للأدباء وللمثقفين والمهتمين بالفن الحديث.