مبين عصام
إذا كان العالم دولة واحدة, لكانت اسطنبول عاصمتها. حقيقة, فهذه المدينة بمكانتها الثقافية والتراثية والإسلامية والاستثمارية تُعتبر نموذجا رائعا لتكون عاصمة السياحة العالمية تصوري هذا جاء عند زيارتي لهذه المدينة الجميلة لـ 4 أيام, حيث استشعرت بحرص أبنائها على نقل صورة ايجابية عن مدينتهم العريقة للعالم أجمع من خلال محافظتهم على الأماكن التاريخية الأثرية والسياحية فيها, وتزيينهم للطرقات والشوارع بالحشائش والأزهار, وحمايتهم للبحار والأنهار بعيدا عن دفنها وإلغاء جمالها من تاريخ اسطنبول, ولهذا فإن هذه المدينة أضحت تحتضن شبكة واسعة من وسائل المواصلات من أبسطها (السيارات) إلى أرقاها (القطارات والطائرات), ومراكز تجارية راقية ومطاعم وفنادق فخمة, والفضل في ذلك بدرجة رئيسية يعود إلى الاهتمام بالسياحة. ولكن هل يدرك الجميع , أننا في اليمن - من وجهة نظري - لا نختلف كثيرا عن تركيا, بل قد نكون أفضل لأننا نملك أماكن أثرية أكثر منها, ومناظر سياحية طبيعية - وليست اصطناعية كما هو الحال في بعض بلدان العالم - ولذلك فإنه من الضروري جدا النهوض ببلادنا بأسرع وقت ممكن بمشاركة كل أبناء الوطن (مواطنين, مسئولين, تجاراً وغيرهم) فنحن نملك كنوزاً من مختلف الأصناف, ولا يوجد بلد مثلنا في العالم يملك ما تملكه اليمن من تنوع في مصادر الدخل التي قد تعزز الاقتصاد الوطني وتحسن مستوى المعيشة لكل فرد في بلادنا. ولكن الفرق بيننا وبينهم - كما لمسته في زيارتي - أن الأتراك يملكون العقل المدبر!! ما أقصده هنا أنني لاحظت أنهم يقومون بتجربة رائعة كنوع من الترويج لاسطنبول وتاريخها العظيم -لاعتبار السياحة في المدن التاريخية العريقة من أهم مصادر الدخل القومي - ولهذا أود أن أكتب هنا عن هذه التجربة التركية (بشكل مختصر ومبسط جدا) للاستفادة منها من قبل الجهات المعنية في بلادنا وذلك خدمة للسياحة اليمنية لأننا نملك مخزوناً هائل من مناطق الجذب السياحي التي قد تشكل أقوى مصادر الدخل في اليمن ، ولكن إن وُجد العقل المدبر (فالعقل السليم في البلد السليم)! فإلى جانب الأماكن التاريخية والمناظر السياحية وناطحات السحاب التي تحتضنها اسطنبول ووسائل النقل الحديثة التي تعمل في هذه المدينة, فإن هناك شيئا واحدا لفت انتباهي ويمكن أن يلفت انتباه أي مسافر يضطر للبقاء للترانزيت في مطار أتاتورك الدولي في إسطنبول لمدة ست ساعات وأكثر حتى يأتي موعد رحلته التالية ليتجه إلى وجهته المقصودة, حيث يتم تقديم رحلة سياحية قصيرة لمثل هؤلاء المسافرين- بالمجان وتتكفل بمصاريف هذه الرحلة شركة الخطوط الجوية التركية - يتعرف المسافر من خلالها على معظم الأماكن الأثرية في اسطنبول, مثل جامع السلطان أحمد, ومتحف أيا صوفيا, وجامع السليمانية, والمسلة المصرية, وبرج غلاطة, والسوق المصري وغير ذلك من المتاحف والقصور والكنائس التاريخية, ليتعرفوا على المزيج الفريد من التراث الباهر والمرح العصري. لذلك فان المسافر من خلال ذلك البرنامج السياحي البسيط يعود إلى بلاده وهو يحمل في قلبه وصفاً كبيراً لتاريخ مدينة إسطنبول (المدينة الجميلة التي هي بالفعل سحر الشرق وعبق التاريخ), فينقل هذا المسافر ما رآه من خلال تلك الرحلة السياحية المجانية لغيره من المواطنين والأصدقاء والأقارب ما يدفعهم ويحمسهم لزيارتها. إذن, هل يمكن تطبيق مثل هذه التجربة أو ما يشابهها في بلادنا طالما ونحن - باستمرار - نحاول الاستفادة من تجارب الغير في بناء أوطانهم في المجالات العسكرية والاقتصادية والبشرية؟!! وهل يمكن لمثل هكذا برنامج سياحي يتم تطبيقه في اليمن (ليعرِّف الأجنبي بما تكتنزه البلاد من مخزون تراثي ضخم وأماكن سياحية تأسر العقل) أن يساعد في تغيير الصورة المغلوطة عن اليمن التي يتم تناقلها عبر وسائل الإعلام الخارجية؟! طبعا ذلك لن يتم إذا لم يؤمن أولئك القائمون على إدارة شؤون بلادنا بأن شركات الطيران في أي بلاد هي الواجهة التي تعطي للمسافر تصورا سريعا عن مستوى التقدم والرقي الذي وصلت إليه هذه البلاد, وإنها دائما مفتاح السياحة لأي مدينة في العالم.