الهند.. دولة عظيمة وشعب عظيم
استطلاع وتصوير/ عادل خدشيفي أولِ خروجٍ لي من أرض الوطن متوجهـا إلى جمهورية الهند كنتُ على موعد مع طيران اليمنية التي تتألق كل يوم.. فعلى مدى 3 ساعات و45 دقيقة كانت فيها رحلة ممتعة فوق أجواء بحر العرب الممتد من خليج عدن حتى سواحل العاصمة الاقتصادية للهند مدينة مومباي.. إذ وصلت بنا طائرة اليمنية إير باص وعلى متنها 150 راكبـا وراكبة، منهم ما يقارب 60 إلى 70 معتمرا من أبناء الهند الذين قدموا من الأراضي المقدسة في المملكة العربية السعودية عبر مطار جدة إلى صنعاء ثم إلى عدن ومنها إلى مومباي.وخلال الرحلة تمتع الركاب بالضيافة اليمنية الكريمة التي قام بها خيرة الشباب اليمني وهم محمد الذماري، فيصل مسعد المضلع، مصطفى سعيد وشابتان أجنبيتان وهما لبنى حيدر شيخ (هندية) ولطيفة مكارم (إندونيسية) ونانيا الأحمدي من اليمن، وأدوا واجبهم الإنساني على أكمل وجه، إذ تحلوا بالقيم الإنسانية النبيلة والتعامل الأخلاقي مع الركاب من دون استثناء، إذ قوبل كل الركاب بالحفاوة والضيافة اليمنية الأصيلة والهدوء التام أثناء القيام بمهامهم المناطة بهم، ولذا نرجو من حكومتنا الرشيدة الاهتمام الجاد بهذا القطاع الوطني لرفع شأن اليمن في أرجاء مختلفة من هذا العالم.مطار مومبايبعد هبوط الطائرة الإيرباص التابعة لطيران اليمنية في مطار مومباي بعد أربع ساعات طيران من عدن إلى مدينة مومباي، حيث تمت الإجراءات الأمنية بسهولة ويسر، حيث رأينا رجال الأمن يرتدون رباط عنق موحدا، وفي أقبية المطار توجهنا إلى مكتب للمواصلات.. حيث سلمنا مبلغ (900) روبية من المطار إلى فندق استارس الواقع في محمد علي رود، الذي يتوسطه جسر ضخمـ.. حيث وصلنا إليه في تمام الساعة السادسة صباح الجمعة، وما زالت عتمة الليلة قائمة، حتى أشرقت الشمس في تمام الساعة السابعة صباحـا، ومكثنا يومـا كاملا ثم توجهنا إلى مدينة بونا في يوم السبت 25 يناير 2014م بسيارة هندية الصنع نوع (تاتا) يقودها رجل هندي مسلم يدعى عبدالمجيد، وعجلة القيادة يمين وخط الطريق ما زال يسارا، ولم يتغير أبدا.. ورأينا العمران وسفلتة الطرق وكذا القطارات التي لم تتوقف في كل دقيقة تأتي قطارات من كل منطقة من المناطق المرتبطة بمدينة مومباي، حيث وصلنا إلى مدينة بونا بعد أربع ساعات وبعد أخذ قسط من الراحة في بعض المناطق، وبعد وصولنا إلى المدينة توجهنا إلى فندق مكيش في مدينة بونا القريب من مسجد تاندال، ووضعنا أمتعتنا لنأخذ قسطـا من الراحة فيه عدة ساعات، ومن ثم قمنا بالتأكد من موقع العيادة المقصود العلاج فيها، فكان يرافقني السائق نفسه عبدالمجيد الذي كان له الأثر الطيب في التخفيف من معاناتي في عدم معرفة اللغة وكذا مناطق عديدة من المدينة الجميلة بونا، وتكرم بالوقوف معنا عند شرائنا بعض الاحتياجات على مدى أسبوعين.فتحقق لنا ما أردنا في الوصول إلى الطبيب المختص لمعالجة ابنتي التي تعاني من نزيف في العينين بسبب مرض السكري الذي لازمها منذ طفولتها حتى اللحظة.فانتظرنا يومي السبت والأحد، حيث وصلنا يوم السبت متأخرين في المساء، والأحد إجازة عامة، فذهبنا يوم الاثنين وبدأنا بالفحص وتلاها جلسات علاج الليزر خلال أسبوعين متتاليين، فكانت آخر جلسة يوم الأربعاء 5 فبراير 2014م حيث توقف النزيف في العين اليسرى، وأخبر الدكتور شاه بأنـَّه يجب العودة إلى الهند بعد ثلاثة أشهر، لاستكمال العلاج.فخلال زيارتنا إلى مدينة بونا الهندية وجدنا شعبـا راقيـا يتحلى بأخلاق عالية، على الرغم من تعدد الثقافات في هذا البلد العظيم، لكننا نجد كل من يعتنق مذهبـا وكل من يعتنق عقيدة دينية سواء أكانت إسلامية أو مسيحية أو يهودية أو المعتقدات الهندوسية لا يتدخل بعقيدة الآخر، وكلهم يحترمون بعضهم البعض، ولا يسمحون بإدخال ثقافات خارجة عن ثقافاتهم، ولا يتزينون بثقافة غيرهم، فنجد المسلم في المسجد يؤدي صلاته من دون أنْ يتجرأ أحد منهم بأخذ مكبر الصوت ليسمع الآخرين ما بداخله، وكذا الهندوس، والمسيحيون واليهود.كما وجدنا في هذا الشعب العظيم أنـه لا يكترث إلى التدخين، حيث وجدنا بيئتهم نظيفة لا أعقاب سجائر، ولا بصق التمبل في الشوارع أو الأماكن العامة، ولا أحد ينظر إلى الآخر، كل سائر في شأنه يبحث عن لقمة عيش كريمة تسد رمقه.ومن القيم الكريمة لهذا الشعب، يأتي رجل من أي معتقد ويضع ما يقارب مائة إلى مائتين روبية لصاحب مطعم، وبالتالي يقوم صاحب المطعم بإطعام الفقراء الذين ينتظرون دخولهم حسب الطابور، فهذا سلوك حضاري أثبتوا بأنـهم أصحاب صدقة جارية.أثناء رحلتنا العلاجية ذهبنا إلى أسواق بونا التي تشبه بعضها أسواق عدن، حيث توجد سوق للخضار والفواكه الهندية التي تخلو من المواد الكيميائية منها الأناناس الخالي من الحموضة، والرمان الأحمر الحالي جدا، وكذا فاكهة العاط باللونين الأخضر والأحمر، وكذا الفراولة، وكذا باعة الأحذية التي تصنع يدويـا وبأرخص الأثمان، وقمنا بشراء العديد من الملابس الهندية، وبعض الصناعات الهندية التي تبهر الزائر، وكذا رأينا تواضع هؤلاء الباعة مثل باعة الخضار والفواكه وباعة الأحذية الهندية الأنيقة وباعة الملابس (الزي الهندي) المعروف باسم (الساري الهندي) بأثمان زهيدة، وكذا توافر الأطعمة التي تتناسب والذوق العدني وبأرخص الأثمان.وفي يومي الثلاثاء والأربعاء 4 و5 فبراير 2014م قمنا بربط أمتعتنا في فندق مكيش استعدادا لمغادرة مدينة بونا التي لا نريد أن نغادرها لطيب العيش فيها وأخلاق أهلها وأبنائها العالية حيث الأمن والأمان والاستقرار والسلم الاجتماعي.ففي صباح يوم الخميس السادس من فبراير غادرنا فندق مكيش في مدينة بونا واستقللنا السيارة نفسها نوع (تاتا) التي يملكها العم عبدالمجيد الذي قادنا إلى مدينة مومباي مرة أخرى ومكثنا فيها أربعة أيام متتالية.وفي يوم الأحد التاسع من فبراير 2014م كنا على استعداد للمغادرة إلى أرض الوطن فقمنا خلال الأربعة الأيام بزيارة العديد من شوارع مومباي الجميلة، التي تضيق شوارعها من الازدحام السكاني وكذا ازدحام السيارات التي لم نر يومـا إحداها قد صدمت سيارة أخرى أو إنسانـا أو حيوانـا على الرغم من الازدحام.. فرجال الأمن الهنود لهم دور إيجابي في استتباب الأمن والاستقرار وكذا رجال المرور الذين لم يألو اجهدا في تنظيم السير للسيارات والمشاة من دون كلل.ففي تمام الساعة العاشرة مساء يوم الأحد قررنا مغادرة فندق استارس في محمد علي رود، وتوجهنا إلى مطار مومباي والعودة إلى أرض الوطن، أثناء وقوفنا في الطابور في قسم (بي) الخاص بالمسافرين اليمنيين حتى وصلنا إلى السلطات الأمنية في هذا القسم أطلع رجل أمن هندي يدعى كومار على تذكرتي السفر الخاص بي وبابنتي فوجد التذكرتين لا تقرآن بسبب عدم وضوح الطباعة، رفضت بسببهما وكنت قد قطعتهما من مكتب طيران اليمنية في مديرية المعلا، الذي يملك طابعة قديمة تسمى في صحيفة (14 أكتوبر) (تيكر) تستخدمها وكالة أنباء سبأ قديمـا، فرفض دخولنا إلى صالة المغادرة لأن التذكرتين غير واضحتين، وسببتا لنا إحراجـا، ولكن سرعان ما طالبت مدير مكتب اليمنية الأخ عمر اليزيدي وأطلعته عبر أحد موظفي اليمنية الهنود في مطار مومباي بأن تذكرتي سفرنا غير واضحتي الطباعة، حيث منعت السلطات الأمنية في مطار مومباي دخولنا إلى صالة المغادرة.فوجدنا الأخ عمر اليزيدي رجلا ذا قيمة إنسانية نبيلة، حيث حرر لنا (2 بوردنج) للمغادرة، فحينها سمحت لنا سلطات الأمن الهندية بالدخول إلى صالة المغادرة، ومن ثم قمنا بوزن أمتعتنا فساعدنا خلالها الأخ عمر اليزيدي الذي خفف علينا من عبء قيمة الوزن حتى أوصلنا إلى ما نملكه من مال وخفف علينا هذه الأعباء وهكذا ما يقوم به للغير، فجزاه الله خير الجزاء.وسألناه عن بعض الصعوبات التي تواجه مكتب اليمنية في محطة مومباي فقال الأخ عمر اليزيدي:إنـه في حالة الفيزا المرضية (العلاجية) لمدة 6 شهور وبموجب الإجراءات الجديدة في مدينة مومباي تم التخفيف على المرضى حيث يتم الذهاب إلى سلطات الهجرة الهندية بعد انتهاء مهلة العلاج المصرحة للمريض، بدلا من أن يأتي إليها أثناء المدة المصرحة له.وطالب مدير محطة اليمنية في مومباي بفتح قنصلية في عدن تابعة للسفارة الهندية، مناشدا السلطات المختصة في وزارة الخارجية إعادة النظر في صرف الفيزا سواء المرضية أو العادية والعمل بموجب الإجراءات السابقة بواسطة مكاتب السفريات.ونود أن نوجه كلمة إلى الأخ عمر اليزيدي إننا لا ننسى موقفه النبيل في تعامله الإنساني مع المسافرين وتسهيل الإجراءات، وهذا ما لمسناه شخصيـا منه وما سمعناه من الركاب الذاهبين والآيبين من عدن إلى مومباي والعكس، وهنا نوجه له الشكر الجزيل.نناشد مجلس إدارة اليمنية بمنح المكاتب التابعة لها في المحافظات طابعات جديدة ليتسنى لها وضع حد للاحراجات أمام السلطات الأمنية في مطارات الخارج، ويصبح المواطن لا حولَ له ولا قوة.نتقدم بالشكر الجزيل إلى الدكتور جافيين لادي اختصاصي طب العيون في مدينة بونا وطاقمه التمريضي والفني، وكذا الشكر الجزيل إلى الدكتور شاه اختصاصي طب العيون بواسطة الليزر.في زيارتنا الأولى هذه وجدنا في الهند دولة عظيمة وشعبـا عظيمـا.