الصبر في الملاحات
اعداد / هبة حسن الصوفي :عدن .. مدينة مكونة من ثلاثة حروف، ولكن فيها من العجائب ألوف، قد تغنى بها كل فنان ورقصت على اغصانها كل العزوف، فيها سحر خلاب تسر عين الرائي حين يراها .. تتمتع مدينة عدن بالكثير من المعالم التاريخية والسياحية ومن ضمن هذه المعالم سلطنا الضوء على ملاحات عدن .. هذا المعلم التاريخي المميز الذي اعطى عدن مميزة وقيمة جمالية ليضيف جمالاً الى جمالها الساحر. ملاحات عدن .. عطاء لا حدود له فهناك قصة طويلة مرتبطة بالنشأة الطبيعية والتكوينية للمدينة الساحلية عدن حيث يحيطها البحر ويتداخل معها في مواضع عديدة وخصوصاً الاجزاء المنخفضة منها ولان نجاح انتاج الملح يتطلب شروطاً وظروفاً مناخية وارضية محددة فقد كان عطاء البحر لا حدود له ، وقد تم الاحتفاظ بمياه البحر في احواض ومسطحات التبخر والتبلور كما توفرت الظروف المثالية من ارتفاع درجات الحرارة وسطوع الشمس طوال ايام السنة تقريباً . الملح والتاريخ العريق في عدن ملاحات عدن الواقعة بمنطقة « كالتكس» ذكر ان احد زعماء الايوبيين ويدعى ( الاتابك سنقر ) اشترى غصباً هذا المملاح من مالكيه وذلك في عهد الدولة الايوبية في القرن السادس الهجري وهي اشارة مهمة لقدم صناعة الملح وتاريخها العريق في عدن . تاريخ ونشأة وتأسيس ملاحات عدن انشئت اول الملاحات في العام 1886م باسم (شركة الملح الايطالية) التي استخدمت طواحين الهواء الصامدة في اليوم لرفع الماء وموقعها حتى الجهة الشرقية من الملاحات القائمة الان ( المؤسسة العامة للملح) في عام 1908م كان انشاء (الشركة الهندية العدنية للملح ) ولا تزال منشآتها باقية في الموقع الرئيسي لإدارة محلات المؤسسة ومنها مبنى الادارة شهد عام 1923م قيام «الشركة المتحدة لاعمال الملح والصناعات المحدودة « في منطقة (كالتكس ) حيث الموقع الذي اشارت اليه المراجع التاريخية وما زالت اثار منشآت الشركة قائمة حتى اليوم . وفي العام نفسه تم انشاء شركة الملح المعروفة بـ ( الفارسي ) على الضفة الشمالية الشرقية من خور بئر احمد على مدخل مدينة عدن الصغرى « البريقة، « ولا تزال بقايا منشآت الشركة قائمة حتى يومنا هذا. وفي عام 1970م صدر قرار جمهوري لعام 1970م بإنشاء استخراج وتصنيع الملح. وتم تصفية الشركات السابقة وبعضها توقف قبل هذا التاريخ نظراً للظروف السياسية والاقتصادية التي سادت المنطقة بعد الاستقلال. وجاء يناير 2006م وتم ضم المؤسسة العامة للمح الى « المؤسسة الاقتصادية اليمنية » وكان ذلك بتوجيهات رئاسية. كما تم اصدار قرارات وتوجيهات لاحقة باعتبارها محمية اقتصادية بيئية طبيعية يجب الحفاظ عليها . وكانت منطقة بئر احمد وملاحاتها وبحيرات عدن بمنطقة خور مكسر وملاحاتها ضمن قرار مجلس الوزراء 2006م باعتبارها اراضي رطبة. الأهمية الاقتصادية والبيئية لملاحات عدن .. ان انشاء ( الملاحات) ونجاحها في عدن دليل اكيد وقاطع على الاستخدام والتوظيف الامثل للارض والموارد الطبيعية المتاحة بالاضافة الى الاعتماد على الكفاءات العلمية المحلية المتوارثة عبر الاجيال. وتكمن اهميتها في صناعة اقتصادية وطنية تعتمد على موارد طبيعية متجددة كونها موئلاً بيئياً لعدد كبير من الطيور المائية وانواع مختلفة من الكائنات البحرية. مساحات وفضاء واسع يستطيع امتصاص أية موجات قد تحدث لا سمح الله. يلعب دوراً مهماً للغاية في نقاء وتلطيف المناخ المحلي وخصوصاً للتجمعات الواقعة حوله. معلم طبيعي يتوسط المدينة لا تتمتع بمثله سوى مدن قليلة في العالم. كونه معلماً تاريخياً نظراً لقدم منشآته ومبانيه واهمها طواحين الهواء والقناطر المبنية من الاجر الاحمر والبوميس. تتوفر فيه امكانية كبيرة للتوظيف السياحي وكمنتجع صحي ايضاً في المستقبل. واخيراً وليس اخراً يوفر مجالاً واسعاً للبحث العلمي بفروعه المختلفة. الملاحات لم تسلم من براثن السطو لقد اسهمت عوامل عديدة في اغلاق ملاحات كالتكس كنشاط انتاجي تجاري الا ان احواض تلك الملاحات ما تزال في حالة جيدة وقابلة للاستخدام ولكنها اصبحت كالوقف لاكثر من ثلاثين عاماً وهذه جريمة في حق هذه النعمة الا ان جاء ما يسمونهم دراكولات الاراضي ومن هنا بدأت رحلة البسط والتقاسم بحجج الاستثمار والتطوير والعمران وهي في الاصل عبارة عن احواض صناعية للملح. وبهذا ذهب جزء للمؤسسة الاقتصادية والجزء الآخر ذهب للمنطقة الحرة واليسير ذهب للجمعيات السكنية التابعة لبعض مؤسسات الدولة وطبعاً هذا اعطى الحق لبعض العابثين لاكمال المخطط والتعدي على اجزاء من ملاحات عدن بالبناء العشوائي.وإن تاريخ التعدي على هذه القيمة التاريخية القديمة بدأ منذ عقود وان كانت اسبابها في الازمنة السابقة اقتصادية او سياسية ويأتي دور التخريب المتعمد والدليل هو التاثيرات السلبية من حوله مثل محطة بترول وديزل وورش تغيير زيوت وسمكرة وطلاء ومخازن وفندق ومسجد .. الخ من الضفة الشرقية لملاحات المؤسسة الذي سيظل يفعل فعله ولن ينتهي الا بازالة هذا الضرر الخطير بكل مكوناته . ولا ننسى التعطيل الذي تسبب به مشروع بناء الجسر البحري الذي ردم القناة اسفل الجسر منذ سنوات وبسببه تعطلت امكانية نقل الملح للميناء بواسطة الصنادل البحرية واصبح ينقل بواسطة الشاحنات. واخيراً نود ارسال رسالة للجميع بالحفاظ ثم الحفاظ على كل معلم من معالم عدن فهي لا تستحق الاهمال او الردم او التخريب.