القضية الفلسطينية، رغم غيابها في مطحنة الأحداث العربية الراهنة، إلا أن حضورها يشكّل المحور الأساسي لمجمل الأوضاع في المنطقة كلها، فقد أسقطت حكومات، ونشرت فوضى الانقلابات والحروب، وتسببت في كل ما يجري من تعقيدات سياسية، أدخلت العالم الخارجي في الشؤون العربية، ولا تزال هاجس القلق الدائم لأنها المعادلة الحقيقية في الاستقرار أو عدمه..الجانب الدولي مشلول الحركة ليس لأن القضية لا تقبل الحل بالأساليب المختلفة؛ وإنما لأن من يتحكم بالقرار ويفرضه لا يرغب أن تنتهي المشكلة، فقد دخلت بريطانيا المؤسسة للكيان، وكذلك فرنسا وبقية الدول الأخرى في دعم إسرائيل، ثم استلمت أمريكا المهمة وصعّدتها وجعلتها أحد أهدافها في خلق التوترات والضغوط، وتحويلها إلى مكسب سياسي واستنزاف مادي حين ذهبت كل ميزانيات العرب ومداخيلهم للتسلح، ونتيجة لذلك دخلت المنطقة في الفوضى الدائمة لا الخلاقة عندما تسيّدت حكومات عسكرية أو شبه عسكرية بواسطة الانقلابات أو الأحزاب غير الوطنية حتى كاد التوريث، مثلما جرى للأسد الابن بواسطة أبيه، أن يكون ذريعة لبقية الحكومات في عراق صدام، ومصر مبارك، ويمن علي صالح، إلى آخر السلسلة الجديدة في التوقيع على نهاية أي حكم وطني..حكومات إسرائيل ليس لديها ما يغريها بالسلام مع العرب طالما الحاجز موجود ومدفوع بالقوة الدولية، ومقايضة الأرض بالسلام نجحت مع مصر، وتعطلت مسيرتها مع بقية الدول العربية، وصار التمدد على كل الأرض الفلسطينية وتطويق مدنها الخاصة للفلسطينيين عقيدة ثابتة لوضعهم أمام حقيقة دولة إسرائيل مستغلة كل الظروف التي أتت لصالحها، وفي ظل هذه التطورات بدأت تنشأ منظمات إسلامية متطورة أساسها القاعدة، لتتعدد المسميات والألوان والممارسات، ورغم أنها تحولت إلى عبء على المنطقة والعالم كله، إلا أنها باتت تعلن أهدافها بالعداء للغرب فصارت المعادلة أن كل من ساهم في خلق إسرائيل ودعمها هو هدف لهذه الجماعات ما ساهم في خلق حروب عالمية صغيرة، قادها منظّرون غربيون باسم حتمية الصراع بين الموروث الغربي مع الإسلام، ولم يعد الشرق والغرب هما من يشكّل الجدلية في التنافس وحروب الثقافات والحضارات، وإنما الإسلام كمعادل حتمي لنزاعات تاريخية قادمة، وإسرائيل دخلت في صلب هذه الحلبة باعتبارها الوليد والمركز لتمرير أهداف أوروبا وأمريكا..صحوة ضمير جديدة في أوروبا، بدأت برفضٍ تام للاستيطان الجديد استدعت دعوة السفراء عند كلا الجانبين، وبما يشبه المواجهة الساخنة وقد لا تكون أمريكا خارج المسرح وإن لم تعلن رأيها أو حتى رفضها أو قبولها للتحرك الأوروبي، لكننا لا نجد في هذه الخطوات ما يضع المشكلة أمام تطورات تضغط على إسرائيل بانتظار ما يسفر عن هذه الموجة من الاحتجاجات، وعادة ما تسوّى الأمور بين الخصمين بالتراضي، وقد شهدنا كيف قاد أيزنهاور ثم ديغول فبوش الابن ضغوطاً على إسرائيل لكن التحولات التالية لم تؤثر في نسيج العلاقات، بل ضاعفت الدعم المفتوح لإسرائيل ولذلك سيبقى الفلسطيني يراقب حلبة الصراع ولكن لا تتوفر له الثقة في المستقبل وهي المشكل الذي لن يوفر الحلول..
هل هي صحوة ضمير أوروبي؟!
أخبار متعلقة