قصر الشكر (السلطان)
أ. خالد سيف سعيدإن الكتابة عن القصور والمباني التاريخية والأثرية المنتشرة في بعض مناطق اليمن بشكل عام والتي خلفها السابقون ... أي في عصر السلاطين والمماليك اليمنيين دليل على أهمية الآثار في إثراء مصادر البحث التاريخي ... فهي تعبر عما وصلت إليه العقلية اليمنية في مجالات التخطيط الهندسي ، وتروي قصة الأطوار الحضارية التي مرت بها اليمن عبر تاريخها الطويل . وقصر السلطان ذلك المعلم التاريخي ذات النمط الأوروبي والواقع بمدينة كريتر في حي الرزميت ( Regiment كلمة إنكليزية تعني ثكنات الجيش البريطاني حينذاك)، وينبغي الإشارة الى أن موقع القصر كان في السابق تضمر فيه مياه بحر صيرة وتمتد مياه البحر حتى بريد عدن “المنارة”، وكانت بمحاذاة موقع القصر محطة بحرية .. وهذا ما يؤكده الأستاذ أحمد رابضة في كتابه المعالم التاريخية قائلاً “إن التشييدات الحديثة ومنها شق الطريق الدائري في هذه الجزيرة قد مس بشكل أو بآخر المكائر القديمة، ومن وجهة نظرنا فقد تلاشت المحطة البحرية التي تقف بمحاذاة قصر السلطان (الشكر قديما). ولقد اختلفت الروايات والمصادر التاريخية حول بناء القصر فالبعض يرجع بناءه في العام 1912 م ، عندما شرعت السلطات البريطانية ببناء وتشييد جزء من القصر في العام 1912 واستمر بناؤه حتى 1918 ، ولكننا لا نجد أي تأكيد في الوثائق التاريخية لصحة ذلك ، وأن صح القول فإن القصر مر على بنائه قرن من الزمن ويؤكد الأخ محسن عبده قاسم في كتابه “شيء من هذا الزمن” أنه لم يعثر في أرجاء القصر على تاريخ بنائه، وإنما تم العثور في داخل القصر على حرفين وداخلين بوابات الدور الثاني للقصر فهما (A.F) إنهما يرمزان للاسمين الأولين لصاحب القصر عبد الكريم فضل بن علي العبدلي، وأن القصرين للسلطان العبدلي في عدن ولحج شرع في بنائهما بعد فترة وجيزة من انتهاء الحرب العالمية الأولى.وقصر السلطان أطلق عليه عدة تسميات كالقصر البراق ،( مشتقة من كلمة إنجليزية Beracks ، وتعني معسكرات تواجد الجنود في عهد الإدارة العسكرية . البريطانية التي قامت حينذاك بتشييد البراقات قبل عام1918 م)، وسمى القصر بقصر الشكر ، فهذه التسمية يرجعها البعض للأمام أحمد بن يحي حميد الذين - الذي كان واليا للعهد عند زيارته لعدن ، ونزوله في القصر في إبريل 1948 م لغرض الاستشفاء والعلاج. وهذا ما يؤكده الأستاذ محمد علي لقمان في كتابه قائلاً “ وصل مدينة عدن في إبريل 1946م الأمام يحيى حميد الدين، واستقبل بكرم كبير من قبل السلطان عبد الكريم فضل سلطان لحج في قصر الشكر بكريتر وإنه تلقى عدة دعوات لحضور مأدبة العشاء والغذاء في القصر مع الأمير سلطان لحج ، ويضيف أن العامين الأخيرين من حياة السلطان عبد الكريم العبدلي أصيب بمرض الجنون، ومات في كريتر في القصر ودفن في مقبرة العيدروس بوصفه رجلاً ذا مكانة عظيمة، وترك ثروة طائلة لولديه فضل وعلي، وحكم كلاهما لحج، وتم خلعهما وهما حيان في المنفى حينذاك.كما أطلق عليه أيضاً بقصر السلطان تيمما بالسلطان عبد الكريم بن فضل العبدلي وهذا الاسم لازال شأئعاً لدى المواطنين حتى يومنا هذا ، وبعد الاستقلال الوطني أطلق عليه قصر الثورة وأيضاً قصر 14 أكتوبر حيث كان مقراً للجبهة القومية (القيادة العامة) التي تسلمت السلطة، بينما الجزء الأخير مقر خاص لمطابع الحكومة والتي تصدر فيها الصحيفة الرسمية 14 أكتوبر وهذا ما أكده أحمد علي مسعد في كتابه “فصول في ذاكرة الثورة والاستقلال” قائلاً عندما عدت إلى عدن بعد زيارة رسمية لدول الجوار استدعاني الأخ / محمود عراسي ولي مقر الجبهة القومية الذي اتخذه الحزب مقراً عاماً ( قصر سلطان الحج السابق علي عبد الكريم). وبعد 22 يونيو 1969 تحول القصر إلى مدرسة للعلوم الاشتراكية لأعضاء وكوادر التنظيم السياسي للجبهة القومية لتدريس أصول علوم الاشتراكية العلمية حينذاك، وفي فترة الكفاح المسلح قام شخص باقتحام قصر السلطان حاملا معه رشاشا وقنبلة ومسدسا للاعتداء على السلطان فضل بن علي العبدلي سلطان لحج وزير الدفاع حينذاك وأحبطت عملية محاولة الاقتحام. *في الجزء الآخر من القصر ( أي باب فرع الدراسات ) يبرز sشعار للسلطنة العبدلية عبارة عن خنجرين متشابكين ، وزينت أعالي القصر من الجهتين الأمامية والخلفية بأعلام السلطنة وشعاراتها أثناء بناء القصر في مساحات مثلثة تعرف بالعقود المدببة . وفي العام 1982م تحول القصر إلى جزءين لمرفقين حكوميين كالمتحف الوطني للآثار والجزء الآخر مقراً لمنطقة الحزب بالمحافظة بدلا عن المطبعة الحكومية 14 أكتوبر وبعد أحداث 13 يناير1986 الدامية تحولت إلى محكمة ثم إلى كلية الحقوق لجامعة عدن حتى العام 2005 وفي هذا العام أعيد القصر لأصحابه ( السلطان علي عبد الكريم )، بينما ظل الجزء الآخر منقسما من العام 1991م لمرفقين هما الهيئة العامة.ويتطرق محسن عبده ألى زيارة السلطان علي عبد الكريم لقصر السلطان قائلا : بعد عودة أحد أبناء السلطان علي عبد الكريم إلى وطنه حيث ظل منفيا ما يقارب 38 عاما تجول في أرجاء القصر وشد انتباهه فتحة في أحد أبواب القصر، كون أن الفتحة استخدمت كنافذة صغيرة للمعاملة بين المحاسب والموظفين. إذ أن الغرفة خصصت للحسابات، واستعاد السلطان ذكرياته قائلاً: واحد من عامة الناس اتهم بشتم والدي، وكان هو السلطان حينها، فأمر بحجزه في هذه الغرفة حتى ينظر في أمره، وظل المحتجز يضرب بكفيه وبقوة على الباب تعبيراً عن براءته، وانزعج السلطان من صوت الرجل وضجيج الضرب على الباب فأمر بإطلاق سراحه قائلاً: “إذا بقي أطول في الحجز فربما يكسر الباب”، كأن السلطان علي أراد أن يوصل ما معناه أن صاحب القصر سامح متهماً بشتمه حفاظاً على الباب، وجاء من يأتي بنجار يعطيه أجراً ليشوه واحداً من أبواب غرف القصر يعد معلماً من معالم هذه المدينة”. وفي الحقيقة كم يحز في النفس كثرة الاستحداثات التي طالت غرف القصر وباحته فالقصر حالياً بحاجة إلى الصيانة والترميم.وفي منتصف هذا العام شكلت لجنة برئاسة رئيس جامعة عدن ومدير عام مركز الدراسات والبحوث ومدير عام الهيئة العامة للآثار والمتاحف بعدن لإقامة ندوة علمية عن “مئوية قصر السلطان الصرح والمعلم التاريخي” وعضوية كل من د. إسمهان العلس و أ. عثمان ناصر و أ. خالد سيف سعيد وعدد من الأساتذة لم تسعفني الذاكرة لذكرهم، من أجل إقامة ندوة علمية تحت العنوان المذكور سلفاً، واجتمعت هذه اللجنة عدة مرات بشأن التحضير لهذه الفعالية ولإعداد الدراسات والبحوث العلمية المتعلقة بتاريخ هذا القصر... ولكن للأسف لم تقم هذه الندوة العلمية وتم إرجاؤها لأسباب غامضة. والسؤال الذي يطرح نفسه، ما دور وزارة الثقافة، فهل تسعى إلى الاهتمام بالقصور والمباني التاريخية الأثرية في بلادنا؟.