كل تغيير سياسي أو تحول اجتماعي يفرز شعارات تستبق حدوثه، وتهيئ لقدومه، وتواكب محددات حركته الحاضرة مع مقولات وتنظيرات تصب كلها في مجرى التغيير ذاته اياً كانت ارتعاشته أو ثباته. ومن بين أشهر شعارات أو مقولات الربيع العربي .. سقوط حاجز الخوف، ولأول نظرة يبدو الشعار مقبولاً من منطلق وجود أنظمة استبدادية دأبت على زرع الخوف في نفوس مواطنيها، وجاءت انتفاضات الربيع لتسقط حواجزه وجدرانه بل سقوفه وأركانه، وان كرامة وكبرياء المواطن أولى ان تحترم .. إلى هنا مقبول غير ان ما حصل تجاوز المعقول: ما أن بدأت حركات الربيع في التوالي، والثوار في الاستعلاء والتعالي، والتحرك بمسارات زمنية متعاقبة، واحياناً مشاغبة بدأت النظرة إلى الشعار تتغير، لم يعد يبهج ويفرح بل يؤلم ويجرح، حيث تواصل مسلسل السقوط الاخلاقي للقيم والسلوكيات النبيلة واسقاط القوانين والأعراف والمتوافقات المجتمعية تحت سياط شعار أو شعارات التنوير، وليس كل شيء في النظام السابق، اياً كان البلد .. سيئاً، ولمن لم يفهم نذكر (بكسر الكاف المشددة) بأحد احاديث الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم): (خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام)، وأقر الإسلام تقاليد وعادات كانت مألوفة في قاموس الجاهلية مثل الكرم، نجدة المظلوم لكن الثائرين أو الثوار جداً يسقطون كل شيء من بنيان وخدمات ومصالح وتوافق مجتمعي، ويسفكون دماء حد التطاول لاسقاط السيادة أو العبث بها .. في مثل هذه اللحظات يصير شعار كسر حاجز الخوف مرفوضاً بل ملعوناً ويتضح انه واجهة إنسانية جميلة لاعمال خبيئة خبيثة اجرامية آخرها سقوط الاحترام بين الإنسان وجاره، أو سقوط التقدير بين الأخ وأخيه، وذاك ما يبتغيه من العرب أعداء العرب مهندسو الهجمة الجهنمية الربيعية، وهي ـ فعلاً ـ، ربيع رائع بالنسبة لهم، ووبال وخراب لنا في انفسنا وعمراننا، ومع كسر حاجز الخوف .. تفوعلت الأحداث في تنانير ساخنة لهبها لايخمد، وظهر مصطلح أخ غير شقيق هو معركة تكسير العظام، وحدث التكسير تقريباً في كل ساعة .. بشكل أكثر بشاعة في غير بلد ربيعي بسبب طغيان موجة الحقد، وزحف جيوش الانتقام.وهات يا تكسير كما لو كان ذلك الفعل الإجرامي اللئيم مصداقاً لقول الشاعر القديم:إن القلوب إذا تنافر ودهامثل الزجاجة كسرها لا يجبروهنا شبه الشاعر تنافر القلوب بعد حقنها بامصال البغض والتنافر والكره بالزجاجة التي إذا تعرضت لكسر ما تناثرت شظايا متفرقة ومتباعدة ومن الصعب ان تعود كما كانت، وأرى مع شيء من التحفظ إمكانية رأب الصدع إذا حضرت بقية من عقل، وومضات من فكر، وعزمات من إرادة صلبة صادقة.ويتلاقى مع معنى البيت السابق، قول شاعر آخر هو ابن شهاب:حاموا على جبر القلوب فإنهامثل الزجاجة كسرها لا يجبرفي متواليات أحداث الربيع .. الكسر، الانكسار، التكسير، والتهشيم، وارتفاع سقوف حرية المطالب المزعجة إلى عنان السماء.. كلها غدت اشياء مألوفة.انكسر الحياء وتهشم الحاجز الاخلاقي بين الكبير والصغير، بين المدير والموظف، بين الأستاذ والتلميذ، وبين الاب والابن بما يجذر صفة التطاول.ولتأكيد ذلك الطرح .. أغلب السجناء في أبين (سجن زنجبار المركزي) حالة عقوق الوالدين وهذه المعلومة ذكرها لي قبل شهرين العقيد أحمد العبد ناصر نائب مدير أمن أبين في تصريح صحفي منشور، ويمكن الاشارة إلى الأولاد الانتحاريين أو الاستشهاديين.. ألم تبدأ حكاياتهم بعقوق الوالدين، وكذا الناشئة والشباب المنخرط في الجماعات المسلحة .. هل أخذوا موافقة أولياء أمورهم، وعلى رأي البعض البداية عقوق، والنهاية نفوق الكسر أو الانكسار يذكرني برواية جبران خليل جبران (الأجنحة المتكسرة)، وقد قرأتها وشغفت بالنثر الشاعري الجبراني الذي يخلو من المقاييس الصارمة المعروفة للروايات المحفوظية، وكرهت فيها شخصية الكاهن، وغالباً في الواقع أو الفانتازيا يكون رجل الدين المتشدد أو الشخص المتدثر بعباءة الدين غير محبوب، ولا مرغوب ومخطئ من يظن أو يعتقد باحتكاره الدين، الدين لله والوطن للجميع.نصيحةـ إياك والانكسار والهزيمة اياً كانت شراسة قبح الوجوه اللئيمة.ايماءةويكون التكسير شيئاً ايجابيا، أو فعلا محموداً إذا فرض عليك في مواجهة اعدائك أعداء وطنك، وليس ضد اخوانك كما في سياق قول الشاعر:فآبوا بالرماح مكسرات وأُبنا بالسيوف قد انحنيناقبل الختامإذا غاب العقل ـ حضر التكسير، ومن التكسير ما يصعب معه التجبير.آخر الكلامما وهب الله لامرئ هبةافضل من عقله ومن أدبه هما كمال الفتى فإن فقدا،ففقده للحياة أليق بهشاعر قديم
أخبار متعلقة