إعداد/ د. أحمد حمود المخلافي الحروب منذ أقدم العصور هي ظاهرة اجتماعية ذكورية تنعكس آثارها مباشرة على النساء والأطفال، فغياب الذكور (الآباء والأبناء الكبار) بسبب الحروب والعوامل المرتبطة بها أو بنتاجها، يعني انقطاع مصدر رزق عائلاتهم، واقتلاع الأسر من منبتها ومساكنها وتمزق النسيج الاجتماعي، وما يلحق ذلك من اللجوء الفردي أو الجماعي، وهذا وغيره يضع مزيداً من الأعباء الاقتصادية والاجتماعية والعاطفية على النساء.مع أن النساء:يقبلن على أعمال السلام ومقاومة العنف المسلح، فهناك نساء يشاركن في التظاهر لأجل السلام، والعمل المنظم في جماعات ومؤسسات لتحقيق السلام ونبذ الحروب والعنف.وفي الصومال كانت تعقب المصالحة بين القبائل المتحاربة عمليات زواج متبادل بين المتناحرتين، للرمز إلى المحبة والتعاون وإقامة علاقات مصاهرة تحقق قرابة ومصالح مشتركة وتمنع القتال في المستقبل.وقد أعلنت حملة "النساء لبناء السلام" التي تضم نساء ومنظمات نسوية بكافة أنحاء العالم ـ أن النظر إلى النساء كضحايا أثناء النزاعات المسلحة يحجب دورهن، كصانعات للسلام ومشاركات في عمليات صنع القرار بمفاوضات السلام وعمليات إعادة التعمير والتنمية.بالرغم من أن النساء:1) يلعبن أيضاً دورا في الحروب على امتداد التاريخ، ويشاركن بفعالية في كثير من النزاعات المسلحة في شتى أنحاء العالم.2) شكلن 8 % من جملة أفراد القوات المسلحة في الحرب العالمية الثانية، وتمثل دورهن أساسا في قوات الاحتياط والإسناد والعمل في مصانع الذخيرة، إضافة إلى المشاركة المباشرة في القتال وفي جميع الإدارات والوحدات العسكرية، وتعاظم دورهن بعد الحرب العالمية الثانية،فزاد عدد الملتحقات طوعا أو كرها بالقوات المسلحة.3) شكلن 14 % من جملة أفراد القوات المسلحة في الولايات المتحدة.4) كان عدد النساء الأميركيات المشاركات في حرب الخليج الثانية 1990/ 1991 (40.000) امرأة.5) في كثير من حروب التحرير أو حروب العصابات قامت النساء بدور أساسي، ففي نيكاراغوا شكلن 30 %، وفي السلفادور شكلن 25 % من قوات جبهة فاريبوندي مارتي للتحرير الوطني. وقد أظهرت الحالات التي وقعت في رواندا أن النساء تجاوز دورهن القتال والتحريض والإسناد والرعاية وإعداد الطعام، إلى المشاركة في المجازر وأعمال الإبادة الجماعية التي وقعت.فهل النساء أكثر ضعفا من الرجال أثناء النزاعات المسلحة؟ وأكثر تأثراً بنتائجه؟ترتبط الإجابة عن هذا السؤال: بنعم، ولا في آن معا. فالنساء قد لا يكن أضعف بالضرورة، لكنهن أكثر عرضة للتهميش والفقر والمعاناة الناجمة عن النزاع المسلح بسبب نوعهن الاجتماعي.وفي تقرير للجنة حقوق الإنسان تأكيد لذلك: "حقوق الإنسان غالباً ما تنتهك في حالات النزاعات المسلحة، مما يؤثر على السكان المدنيين، وخاصة النساء والأطفال وكبار السن والمعوقين... رغم أن المجتمعات بأكملها تعاني عواقب النزاع المسلح والإرهاب فإن النساء والبنات يتاثرن بشكل خاص بسبب مركزهن في المجتمع وجنسهن" حيث لا تتمتع المرأة بوضع متكافئ مع الرجل في أي مجتمع، وحيث تسود ثقافات العنف والتمييز ضد النساء قبل نشوب الصراع، فإنها تتفاقم إثناء الصراع.ويعد كل من النساء والأطفال أهدافا في الصراعات المسلحة لا سيما المعاصرة ويشكلون غالبية الضحايا إجمالا.كما يشكل الأطفال والنساء أغلبية اللاجئين في العالم والغالبية من المشردين داخليا.إذ تلاقي النساء والفتيات المدنيات ـ مثلهن مثل الرجال ـ حتفهن أثناء الصراع المسلح ويجبرن على النزوح ويتعرضن للإصابة ويفقدن موارد رزقهن. ولكنهن يعانين أكثر من الرجال، فأثناء النزاعات المسلحة تتعرض النساء والفتيات لجميع أشكال العنف لا سيما العنف والاستغلال الجنسيين بما في ذلك التعذيب والاغتصاب والحمل بالإكراه والاستعباد الجنسي والإكراه على ممارسة البغاء والاتجار بهن.فالنزاع المسلح يجعل البنات والنساء أكثر عرضة للأذى النفسي والعنف الجسدي والجنسي، وتتحمل النساء عبء السعي لتدبير المعاش اليومي لأسرهن. وهناك مجموعات كبيرة من الأرامل والحوامل والمرضعات والأمهات.وتؤدي النزاعات المسلحة إلى تأثير بالغ على حياة النساء. مثل تغير الدور الاقتصادي والاجتماعي، وتفكك الأسر، والعمل في التسول والدعارة، والقيام بأعمال شاقة يؤديها عادة الرجال مثل الزراعة وتربية الماشية ورعايتها، والهجرة إلى المدن لأجل العمل فيها. كما تقل فرص الزواج وتزداد العنوسة، وتقل فرص المرأة في اكتساب مركز اقتصادي واجتماعي، لأن الزواج هو السبيل الوحيد أو الأكثر أهمية لتحقيق ذلك.وأدى انتشار النزاع المسلح وتطور وسائل القتال إلى زيادة معدلات الخسائر في أرواح العسكريين والمدنيين، وبالتالي إلى زيادة عدد المفقودين والمشردين والأرامل من النساء، وهو أمر يؤثر على حياة النساء والمجتمع بوجه عام.فالترمل يغير الأدوار الاجتماعية والاقتصادية للنساء في البيت والمجتمع المحلي، كما يغير من بنية الأسرة، وينال من الأمان الشخصي للنساء ومن هويتهن وقدرتهن.وتعافي زوجات المفقودين من المشكلات التي تعاني منها الأرامل، ولكن دون اعتراف رسمي بوضعهن، وهو ما يخلق لهن مشكلات معينة.لذلك ففي البلدان والمناطق التي تشهد حروباً ونزاعات مسلحة، تكون النساء بشكل خاص، بحكم وضعهن في التراتبية الاجتماعية، من أكبر دافعي ضرائب تلك النزاعات، على الرغم من أنهن على الغالب لا يشاركن فيها مباشرة، لكنهن أول من يجني تبعاتها المرعبة من قتل وخطف واغتصاب، إضافة إلى معايشتهن مقتل أطفالهن أو أزواجهن وإخوتهن، عدا التهجير والنزوح وفقدان الخدمات العامة الأساسية للحياة، مما يجعلهن عرضة وفريسة سهلة لمشاعر الخوف والحزن والاضطرابات النفسية المتعددة.كما نجد أن أعداداً كبيرة من النساء قد قتلن أو اغتصبن بأساليب وحشية ومقززة أمام أطفالهن وذويهن، وهذا ما يخلف لهن صدمات نفسية وأخلاقية تترك بصماتها على مستقبل حياتهن.فضلاً عن معاناتهن من ندرة الخدمات الأساسية، حيث يعتبر الحصول على الغذاء والماء والدواء في حالات الحرب من التحديات الرئيسية التي تواجه المجتمعات، بسبب التهديد والنزوح وعدم الشعور بالأمان وفقدان مصادر الماء والغذاء، لتغدو مقاومتهن للأمراض هزيلة وهشة، ويزيد الدور الإنجابي للنساء من تأثرهن بنقص الغذاء أو عدم ملاءمته، فهن يحتجن إلى قدر أكبر من الفيتامينات والمعادن، ونقص التغذية عند الحوامل يمكن أن يؤدي إلى إنجاب أطفال مرضى أو ناقصي الوزن.وقد تتطلب أوضاع النزاع والظروف المحيطة به أن يبتعد الرجال عن أسرهم للمشاركة في القتال أو هربا من المجازر، فيضاف إليهن تحمل أعباء أسرية مضاعفة والقيام بدور المعيلة للأسرة وتلبية احتياجاتها المادية والاجتماعية دون أثر لأي دعم مادي أو نفسي أو اجتماعي.والنساء أكثر عرضة للتأثر بالأزمات بحكم ظروفهن، فالفرص المتاحة لهن للحصول على الموارد تكون أقل.وفي أوضاع النزاع يشيع التشرد والسرقة ونهب الممتلكات والبنية الأساسية. ويحدث عادة أن تبقى النساء والأطفال في القرى والمزارع ويغيب الرجال، فينهار التوزيع التقليدي للعمل للحصول على المدخلات الزراعية كالبذور والأسمدة.وفي كثير من الأحيان تواجه النساء الأرامل أو زوجات المفقودين أو النساء غير المتزوجات صعوبات في الإجراءات القانونية لملكية الأرض وإدارتها والتفويض في التصرف بها، وقد يحظر عليهن التملك والاستئجار وتوقيع العقود.ويمكن أن تؤدي أوضاع النزاع إلى عمليات طرد بالقوة من الأرض وإغارة ونهب للبيوت والقرى.وتؤدي النزاعات المسلحة إلى تأثير بالغ على حياة النساء مثل: تغير الدور الاقتصادي والاجتماعي، وتفكك الأسر، والعمل في التسول والدعارة.وتتعرض المساكن والبيوت وأماكن الإقامة في الحروب للتدمير والنهب والهجران، وتزداد الحاجة إلى الخيام والأغطية لإيواء اللاجئين والمتضررين، وتفقد العائلات بيوتها بسبب الفرار والتدمير، وتصبح مسألة تدبير مأوى مناسب ولائق للنساء والأطفال مسألة ملحة. وتقام عادة لهذه الأغراض مخيمات تقدم مساكن مؤقتة تقيم فيها عادة النساء والأطفال،لأن الرجال يكونون في الحرب أو هاربين أو مفقودين. وقد تتعرض هذه المخيمات للهجوم والنهب والاعتداء من الأطراف المتنازعة أو العصابات المسلحة، أو رجال السلطة التي يفترض أن تحمي المخيمات وترعاها من الدول أو المنظمات الدولية أو قوات حفظ السلام.وقد تتحول الملابس أثناء النزاع المسلح إلى ترف تتوارى أهميته خلف الكفاح لأجل البقاء، وقد تصبح سلعة نادرة يصعب اقتناؤها.وفي بعض البلدان وظروف النزاع يمكن أن تدل الملابس بألوانها أو تصميمها على الانتماء لمجموعة ثقافية أو عرقية أو أثنية، فتتعرض النساء للأذى والاضطهاد.وتتفاقم المشكلات الصحية أثناء الحروب والنزاعات المسلحة، وتكون الأوضاع الصحية غالبا في مناطق النزاع بائسة.وغالباً ما تكون الفتيات والنساء أكثر عرضة للإصابة بالأمراض الجنسية، ويحتجن إلى رعاية صحية خاصة أثناء الحمل والولادة، ولتنظيم الأسرة والحماية من العنف الجنسي والأمراض التي تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي، والرعاية الطبية لدى حدوث مضاعفات الولادة. وتمثل الملاريا مشكلة صحية رئيسة في بلدان كثيرة، وتؤدي الحروب إلى زيادة انتشارها وكذلك أمراض سوء التغذية والأنيميا ونقص وزن الجنين، وتزداد هذه المخاطر بصفة خاصة بين النساء في حملهن الأول.وفضلاً عن مصاعب الحصول على خدمات طبية معينة في وقت الحرب، فقد تواجه النساء مشكلات خطيرة في العناية الطبية العامة نتيجة التفرقة في المعاملة، وربما تعرضت النساء للاستغلال فيتعرضن للابتزاز والإيذاء.
|
اشتقاق
آثار النزاعات المسلحة على النساء والأطفال 2-1
أخبار متعلقة