سطور
السينما العراقية تنهض بجهود الشباب خاصة بعد فسحة الحرية التي حرم منها عقودا. فظهرت على الساحة أسماء لمخرجين مبدعين وأسماء لأفلام قصيرة وطويلة نالت الإعجاب والتقدير وشاركت في مهرجانات عربية وعالمية عديدة. هذا بالرغم من انعدام الصناعة السينمائية والدراما في العراق. وضعف الدعم الخاص والعام، بالرغم مما تشكله صناعة الدراما من أهمية للاقتصاد وللنهوض بذائقة وثقافة المتلقي العراقي. المفارقة الأخرى هي إغلاق دور السينما واختفاؤها! مما جعل نجاح الأفلام العراقية الروائية والتسجيلية يتم خارج حدود العراق. كما في أفلام محمد الدراجي وليث عبد الأمير وميسون الباﭽﭽي وعباس فاضل وغيرهم من المبدعين في هذا المجال. والمشكلة الأخرى هي موقف الإعلام العراقي من هذا المنتج. فنسمع عن الكثير من الأفلام التي أنتجت في الستينات بل والخمسينات أيضاً، عدا أفلام السبعينات لكن للآن لم تتكرم أي من الفضائيات بعرض أي من تلك الأفلام، مع أن بعضها يضم أسماء معروفة فنيا. من الأفلام التي لاقت نجاحا كبيراً فيلم (فجر العالم) للمخرج العراقي عباس فاضل الذي أنتج عام 2009 وعرضته الفضائية السومرية مشكورة، منذ أيام. الذي لاقى إقبالاً كبيراً وشارك في الكثير من المهرجانات الدولية والعربية وحصل على عدة جوائز. فالمخرج عباس فاضل، لم يخف فرحه الشديد بهذا الفوز، ففي مهرجان الرباط، أكد أنه سيَطير بفوزه إلى بغداد، ليؤكد للعراقيين (أن هناك من بين أبنائهم من يريد بناء دولة الرافدين، لتشمخ بين أمم الأرض كما كانت دائما، على عكس أولئك الذين يعملون على تدمير حضارتها).الفيلم إنتاج فرنسي-ألماني، وقد تم تصويره في مصر لاستحالة إمكانية تصويره في العراق بسبب تردي الأوضاع الأمنية في العراق آنذاك حسب ما قيل. فصور في أماكن مختلفة من مصر منها القاهرة، وبحيرة المنزلة وفي قرية النسايمة، وواحة الفرافرة، والصحراء البيضاء... وقد تم إنشاء جزيرة اصطناعية وقرية من حوالي خمسة عشر منزلا من القصب في وسط بحيرة المنزلة بالقرب من بور سعيد. وهذا لاشك اثر على مصداقية الفيلم والإحساس بالمكان.تجري أحداث الفيلم أثناء الحرب العراقية الإيرانية وحرب الخليج الثانية، في منطقه الأهواز في جنوب العراق، حيث يعيش سكانها في بيوت من القصب والطين منذ آلاف السنين. السيناريو هو بعض من قصة صديق طفولة المخرج الذي فقد أثناء الحرب. وكيف أن الحرب في جنوب العراق قد دمرت الموقع الجغرافي المعروف بجنة عدن. الاهوار كانت ملاذا لآلاف العراقيين ممن قاتلوا النظام الصدامي أو الهاربين في زمن الحرب العراقية-الإيرانية وانتفاضة آذار عام 1991، فأمر صدام حسين بتجفيفها، ما تسبب في وقوع كارثة إيكولوجية قال عنها كلاوس توبفر (المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة) أنها كارثة بيئية كبرى ستبقى في ذاكرة الإنسانية كواحدة من أسوأ الكوارث البيئية التي سببها إنسان.يروي الفيلم قصة (مستور) (وليد أبو المجد- ممثل لبناني) و(زهرة) (حفصية حرزي - فرنسية من أصل جزائري)، يسكنان تلك المنطقة، وبعد إقامة حفل زفافهما، تتفجر الأوضاع في العراق إيذاناً بانطلاق حرب الخليج. ويرسل (مستور) مع الجيش إلى خط النار، هناك يلتقي (رياض) وهو مجند من بغداد، وتنشأ بينهما علاقة صداقة. يصاب (مستور) في المعركة، وقبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة يطلب من (رياض) أن يعده بزيارة (زهرة) والعناية بها. يحاول رياض بعد العثور عليها الفوز بقلبها.المشاهد العراقي والطامح لأفلام مميزة ومتقنة، يلاحظ أن هناك تعجل في إنتاج الفيلم. فاللهجة العراقية بالرغم من قربها من اللهجة الفلسطينية، خرجت بالفيلم مزيج من لهجات أردنية فلسطينية مع القليل من الصومالية! كما شعرناها بلهجة البطلة زهرة التي كانت تحاول جهدها. مع أننا سمعنا فرقة سومر العراقية- السويدية التي أسسها المرحوم الفنان طلال إسماعيل، وهي تقدم أغاني عراقية بلهجة متقنة بالرغم من عدم معرفتهم اللغة، فقد لجأ الفنان إسماعيل لكتابة الأغاني بأحرف لاتينية ونجح بجعل فنانات الفرقة (السويديات والنرويجيات) يتقن اللهجة العراقية كما لو كن عراقيات. البعض ممن تابع الفيلم انتابهم شعور أن هناك مجاملة للعرب لاسيما المخدوعون بصدام. ففي مشهد الجندي رياض العائد من حرب خاسرة دمرت العراق واقتصاده وجيشه وقتلت الآلاف من الشباب من بينهم صديقه. ليفجع بمجزرة أخرى يرتكبها رجال النظام البعثي في القرية، بينما يكتفي هو بتأمل صورة صدام ولم يعمل شيئاً! وقد رأينا كيف حاول المستضعفون الانتقام من صور صدام التي فرضها على الناس في كل شارع وبيت.ولسبب ما اختار المخرج ملابس هندية للزواج! فثوب العروس كان احمر كذلك غطاء الرأس، وذلك تقليد هندي أن تلبس العروس ثوباً احمر مطعم بالخرز والخيوط الذهبية والفضية البراقة. كان بإمكان المخرج سؤال أي امرأة جنوبية لمعرفة ما تلبسه العروس في الأهوار. أو على الأقل يشاهد بعض الأفلام الوثائقية أو التسجيلية التي أنتجت عن تلك المنطقة.ربما هناك اعتبارات فرضت على المخرج والمنتج لاختيار الممثلين والأزياء ومكان التصوير..منها التسويق وترويج الفيلم. وربما الطبيعة المحافظة لسكان الاهوار، وان كنا رأينا تجاوبهم في بعض الأفلام الوثائقية.مع ذلك يشكل نجاح الفيلم إضاءة للسينما العراقية بعد التغيير. فالسينما العراقية تكاد تكون نادرة والأفلام الروائية تعد على أصابع اليد، بالرغم من الواقع العراقي الحافل بمئات القصص الغنية بالرومانس والدراما والقصص الأقرب للخيال لتكون سيناريوهات ناجحة لأفلام عدة، إذا حظي صناع السينما بالدعم المطلوب وتعاون محبي الفن لإنجاح الدراما العراقية.