على هامش ورشة عمل المساواة والدولة المدنية في الدستور اليمني الجديد
عرض/ دنيا هانيألقت الأخت رضية شمشير ناشطة سياسية وحقوقية ورقة عمل بعنوان (المساواة مدخل لإزالة التمييز) في ورشة العمل التي أقيمت بعدن حول المساواة والدولة المدنية في الدستور اليمني الجديد التي نظمها المركز اليمني للحقوق المدنية (YCCR) بالشراكة مع مؤسسة (ألف باء) (مدنية وتعايش) بدعم من الصندوق العربي لحقوق الإنسان وفيما يلي نستعرض أهم ما تناولته الورقة: في بادئ الأمر تطرقت شمشير إلى إن مفهوم المساواة بين المرأة والرجل لا يقتصر على وجود النص الدستوري الذي يكفل هذه المساواة فحسب، بل القوانين الصادرة لاحقاً هي الضمانات السياسية التي تحدد هذه المساواة كحقوق وواجبات في مختلف مناحي الحياة العامة.كما عانت المرأة اليمنية وستظل تعاني من الواقع الموغل في التخلف والموروث القبلي الذي كرس ويكرس دونية المرأة ولا شك في أنه ساهم مساهمة كبيرة في تحجيم دور المرأة على الصعيدين الأسري والمجتمعي وفي عدم تحقيق هذه المساواة المطلوبة في صورها المختلفة.. وهذا الواقع الذي تعيشه المرأة اليمنية لا يختلف في العديد من الدول العربية وهو أمر ملموس على الرغم من كافة الجهود التي تبذل في سبيل تحسين وإدماج المرأة العربية في عملية التنمية.في حين يشير د. باقر سلمان النجار إلى: «إن تناول مشكلة الحقوق الاجتماعية للمرأة العربية كمتغير منفصل عن بنية المجتمع العربي وعلاقات القوة السائدة فيه، لا يمكن فصله عن حقوق المرأة العربية وعن مضمون حقوق الإنسان العربي ككل امرأة كان أم رجلاً».فقضية المساواة هي أصلا قضية حقوق إنسان وأن الجهود الرامية إلى تعزيز حقوق المرأة تقتضي بالضرورة الاعتراف بجبر الاستبعاد المنتظم للمرأة من الفرص المتاحة للرجل وإنهاء أشكال التمييز القائم على النوع الاجتماعي لتحقيق تكافؤ الفرص.وقد شهدت الحقبة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية نيل العديد من الدول العربية استقلالها الوطني من الانتداب والاستعمار البريطاني والفرنسي والإيطالي التي تبنت في دساتيرها قضية المرأة من حيث تقنين دورها ومكانتها في الحصول على الحقوق الاجتماعية في التعليم والعمل والمشاركة السياسية.وقد برزت ثلاث مجموعات من الدول في الواقع السياسي التي تبنت حقوق المرأة وهي على النحو التالي:المجموعة الأولى: هي أنظمة اجتماعية متقدمة على صعيد المرأة منها (تونس- العراق - اليمن الديمقراطية سابقاً).المجموعة الثانية: هي الدول العربية التي مثل حضور المرأة فيها حضوراً نسبياً متنامياً على المستويين العام والخاص وهي (مصر - الأردن - سوريا).المجموعة الثالثة: هي مجموعة الأقطار التي شهدت الحقبة النفطية ممثلة بدول الخليج - الكويت - البحرين كدول ليبرالية نسبياً - والسعودية كدول محافظة.[c1]مفاهيم لا بد منها:[/c]أثناء تناولنا للدستور اليمني في قراءة مقارنة لواقع الحقوق الممنوحة للمرأة سنجد أنفسنا أمام بعض المفاهيم التي يجب توخي الدقة فيها خاصة ونحن على أعتاب الدخول في مؤتمر الحوار الوطني الذي سيكون الدستور المدني فيه أحد أهم القضايا لإرساء دعائم الدولة المدنية الحديثة.١) الدستور: هو عقد اجتماعي ووثيقة قانونية سياسية تنظم كل أمور الدولة والمجتمع. يجري فيه تحديد ملامح الدولة وحقوق وواجبات الأفراد ومنه تستمد القوانين الوطنية الصادرة لاحقاً كافة موادها ونصوصها. وهناك نوعان من الدساتير المرن والجامد.٢) الاستفتاء: هو إجراء سياسي قانوني لأخذ رأي الشعب في قضية ما من خلال التصويت مع أو ضد القضية المطروحة، ومن أهم القضايا التي تطرح للاستفتاء هي اعتماد أو تعديل الدستور، وتاريخياً دلت التجارب على أن عملية الاستفتاء هي عملية يتم إساءة فهمها واستخدامها من قبل الحكام فهي في الغالب لا تعد أن تكون مظهراً من مظاهر الخداع واللعب بعواطف السواد الأعظم من الشعب لقرار يريده الحاكم يخدم مصلحته ومصلحة حزبه.ويختلف الأمر في المجتمعات الديمقراطية حيث تكون عملية الاستفتاء قابلة إن تناقش في أجواء علنية بين المؤيدين والمعارضين للقضية المراد الاستفتاء عليها. وتلعب أجهزة الإعلام المختلفة دوراً مهماً في عملية قياس الرأي العام.[c1]مفهوم المساواة في الدساتير اليمنية:[/c]تم تحقيق الوحدة في ٢٢/٥/١٩٩٠م وفي هذا الإطار لابد من المقارنة لمفهوم المساواة لحقوق المرأة الواردة في دستور (ج.ي.د.ش) سابقاً. دستور دولة الوحدة الذي تم الاستفتاء عليه، حيث أن التعديلات في الدستور اليمني كانت في ٢٠٠١م وهذه المقارنة تعطينا استنتاجات وحقائق لوضع دستور دولة مدنية حديثة.وقد صدر دستور (ج.ي.د.ش) في أكتوبر ١٩٧٨م ورد في المادة (١٠) ما يلي: «تؤكد الدولة العمل بميثاق جامعة الدول العربية ومبادئ الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وقواعد القانون الدولي المعترف بها بصورة عامة». في حين كان صدور (قانون الأسرة) في الأول من يناير عام 1974م أي قبل صدور الدستور بأربعة أعوام ليكون واحداً من قوانين الأحوال الشخصية في الوطن العربي.وجاء في نص المادة (٣٥): «المواطنين جميعهم متساوون في حقوقهم وواجباتهم بصرف النظر عن جنسهم .. إلخ». موضحة أن تقوم الدولة بكل ما يمكنها لتحقيق هذه المساواة عن طريق إيجاد فرص سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية. وهذا ما أكدته المادة (٣٦) على النحو التالي: «تضمن الدولة حقوقاً متساوية للرجال والنساء في جميع مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتوفر الشروط اللازمة لتحقيق تلك المساواة». كما أكد الدستور في مواده الـ (٤٠،٣٧،٢٦) على جملة من الضمانات الحقوقية ذات صلة بدعم الأسرة وحماية الأم والطفل وضمان خلق ظروف تمكن المرأة من الجمع بين المشاركة في العمل الوظيفي والإنتاجي والاجتماعي وإنشاء دور الحضانة ورياض الأطفال وكافة وسائل الرعاية كما يوضحها القانون، ناهيك عن أن الدولة مسؤولة مسؤولية مباشرة عن ضمان حق التعليم مجانيته وإلزاميته للذكور والإناث على قدم المساواة الفعلية. وبإيجاز يمكن أن نوضح أن وضع المرأة في الجنوب قبل الوحدة أحرزت تقدماً ملموساً قياساً بواقع الزمان والمكان، هذا التقدم أحدث تغييراً جذرياً حيث تحصلت المرأة على العديد من الحقوق الاجتماعية كحق العمل، حق اختيار الزوج، الطلاق، والحقوق السياسية التي تمثلت بانتخابات مجالس الشعب المحلية في الدورة الأولى التي عقدت في ١٩٧٦م ودورة مجلس الشعب الأعلى المنعقدة في 1978م إضافة إلى المصادقةعلى اتفاقية (السيداو) في مايو 84م في إطار العقد العالمي الأول للمرأة من الفترة (1975 - 1985) حيث جاء صدور هذه الاتفاقية الدولية في 1979م في إطار الأنشطة والفعاليات المختلفة للأمم المتحدة لإدماج المرأة في التنمية وتحقيق شعار العقد: (مساواة - تنمية - سلام).أما في دستور دولة الوحدة 1991م: فقد تمت الإشارة آنفاً إلى أن دستور دولة الوحدة تم الاستفتاء عليه في مايو من عام 1991م وورد في الباب الأول الفصل (1) المادة (5): « تؤكد الجمهورية اليمنية التزامها بميثاق الأمم المتحدة والعهد الدولي لحقوق الإنسان وميثاق جامعة الدول العربية وكافة المواثيق والعهود المصادق عليها».واستناداً إلى هذا النص الدستوري فإن اليمن مصادقة على جملة من المواثيق والعهود الدولية تتركز في : 1) الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. 2) العهدان الدوليان بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية.بالإضافة إلى صكوك تتعلق بمكافحة التمييز والتعذيب والإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية.. أما فيما يتعلق بالمرأة والطفل فإن الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق السياسية للمرأة واتفاقية (السيداو) وحقوق الطفل هي الاتفاقيات التي نرمي إليها بصدد وضع دستور جديد لدولة مدنية حديثة بالإضافة إلى الصك المتعلق بالزواج والأسرة والشباب.[c1] التعديلات الدستورية:[/c]شهدت اليمن الانتخابات البرلمانية الثانية عام 1997م كما شهد الدستور تعديلات في 2001م في بعض مواده.. وتأتي قضية المساواة على أساس التضامن الاجتماعي وما يتعلق بالأسرة والمجتمع فإن الدين والإخلاص وحب الوطن والمحافظة على القانون هي الدعائم التي تقوي كيانها وأواصر العلاقات فيها. ويلاحظ أن الحقوق بالنسبة للمرأة تراجعت إلى مكانة احتلت موقعها في المادة (31): « النساء شقائق الرجال ولهن من الحقوق وعليهن من الواجبات ما تكفله وتوجبه الشريعة وينص عليه القانون».هذه القراءة للدستور اليمني لها مؤشراتها السلبية التي نتمنى أن تستوعب من قبل الشباب (إناثاً وذكوراً) وكذا منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال حقوق الإنسان، وأن تكون المشاركة في صياغة الدستور الجديد مبنية على كافة معطيات الواقع مع الاستفادة من تجارب الدول والخبرات والكفاءات القانونية.فالمشرع في الغالب هو الذي يضع النصوص وإذا غاب ذوو المصلحة الحقيقية فالتلاعب بالألفاظ القانونية يكون وارداً كما أن مشاركة المرأة وتحديداً القانونية سيؤمن دون شك أن تحظى قضية حقوق المرأة والمساواة بأهميتها في الدستور.[c1] المعوقات:[/c]قد يتبادر إلى الذهن أن الطريق معبد وأن الجميع متفقون على دستور جديد وأن قضية المرأة (حقوقها ومساواتها) محل إجماع واتفاق وفي هذا القول تجاوز للواقع حيث أكدت التجارب السابقة أن قضية المرأة والمشاركة السياسية أسهمت المرأة نفسها في وضع العربة قبل الحصان معرقلة بذلك دورها المنوط في عملية التنمية الشاملة ولعل من أهم الأسباب التي يمكن إيجازها على النحو التالي: تسييس قضية المرأة والولاء لأحزابها، ضعف شبكة المناصرة والتأييد لقضايا المرأة، تكرار البرامج والأنشطة في مجال الدعم للمرأة في المشاركة بالانتخابات المحلية والبرلمانية، الإقصاء والتهميش الذي بدوره أدى إلى عنف ممارس ضد المرأة وظيفياً وسياسياً وثقافياً وأسرياً، الهيمنة الذكورية حيث لازال الرجل صاحب القرار، الكم الهائل في برامج التأهيل والتدريب وتشابه هذه البرامج أدى إلى عزوف الكثيرات من المشاركة بفعالية في هذه الأنشطة وأخيراً الرقم (1) + (2) = (3) هو أساس التعيين للمرأة وفقاً لمبدأ المحاصصة المعمول به في حياتنا السياسية.[c1] مسك الختام:[/c]إن ميثاق الأمم المتحدة الذي اعتمد في سان فرانسيسكو في يونيو من عام 1945م هو أول معاهدة دولية تشير في عبارات إلى مساواة النساء والرجال في الحقوق، كما أن اتفاقية (السيداو) التي أقرتها الجمعية العامة للأم المتحدة في 18/12/1979م والمتضمنة (30) مادة هي مبادئ وتدابير اعترف بها المجتمع الدولي لتحقيق المساواة بين المرأة والرجل في منظومة الأمم المتحدة.انطلاقاً من ذلك فإن تحقيق المساواة الكاملة بين المرأة والرجل من مفهوم النوع الاجتماعي لا يعني تمكين النساء من اكتساب أوضاع الرجال نفسها بل يعني إدماج المرأة في العملية التنموية لإرساء قيم ثقافية جديدة من شأنها أن تساهم في مساواة حقيقية بينهما.فإن استشراف آفاق الدولة المدنية الحديثة يقوم في الأساس على الدستور الذي سيضمن كافة الحقوق والواجبات بين المرأة والرجل ولا يمكن فصلهما، فالمجتمع يكون عاجزاً عن تحقيق مطالب المرأة ما لم يكن مرتبطاً بتحول نوعي للعلاقات الاجتماعي في واقع المجتمع اليمني، فتحرر المرأة وممارستها لحققهاالاجتماعية والسياسية والثقافية هي مقياس دون شك لانعتاق المجتمع من واقع التخلف والموروث القبلي..