جانب من (تجربتي مع الشعر)
كتب/ حسن حجازي:أزعم أني متحيز للإنسان بصفة عامة، والإنسان العربي والمصري بصفة خاصة. صدر لي العديد من المجموعات الشعرية بداية من عندما غاب القمر، في انتظار الفجر، همسات دافئة، حواء ... وأنا!، ثم طبعة ثانية من في انتظار الفجر، ثم التي في خاطري، 25 يناير.. وميلاد جديد، وأخيراً الربيع على ضفاف النيل .تنوعت الموضوعات وتعددت بين الخاص والعام بين الوجداني والوطني، بين المحلي /مصر والقومي /الأمة العربية، كانت مصر قبل العبور وبعد العبور ولا تزال حتى تلك اللحظة حاضرة بقوة بين كلماتي ووجداني، فلسطين، العراق، لبنان، الربيع العربي وقد تهنا بين ضفافه وحارت أفكارنا بين أهدافه. الأمة العربية بين رموزها وبطولاتها وإخفاقاتها. كانت المرأة الأم الأخت الحبيبة الزوجة الابنة رفيقة العمل المبدعة الشاعرة المترجمة الناقدة، بلا شك كانت حاضرة بقوة في أشعاري وفي نصوصي وترجماتي الأدبية شعراً أو قصة وترجمة إبداعية.تناول شعري الكثير من النقاد سواء من مصر أو من خارجها بالدراسة والتحليل والنقد اللاذع أحياناً لكنها كانت نبراساُ وإضاءة تقول لي أين أنت. من مصر د. مصطفى عطية جمعة، إبراهيم محمد حمزة، أبو العينين شرف الدين، مجدي نجم، محمد الصاوي، سمر محمد، أما من خارج مصر الباحث والشاعر الفلسطيني منير مزيد، د. أسماء غريب المغربية، الباحث والشاعر والعراقي عباس باني المالكي، ود. عبدالدائم السلامي /تونس .فالشعر بالنسبة لي هو حياة، كما قال الناقد المصري إبراهيم محمد حمزة في دراسته عن (حواء.... وأنا):(يبدو حسن حجازي شاعريا في كافة حالاته وإحالاته، ويبدو دائما قادرا على ممارسة الحياة كشاعر، وهو فرض صار شديد الرومانتيكية في لهيب هذا العصر )!وأتذكر ما كتبته د. أسماء غريب في دراستها لمجموعتي الشعرية في انتظار الفجر :(هل يعود الزمن الجميل؟ زمن الكلمة الساحرة، والعطر الفواح من بين أحرف القصائد العرائس؟ هل تعود الابتسامة إلى ثغور الأميرات الناعسات والحالمات بعوالم من البهاء والصفاء، حيث زهور الحب والوفاء أكليل يزين هامات الأبيات والشعر الخلاب؟ لم تكن لتنتاب خاطري كل علامات الاستفهام هذه لو لم يقذفني موج بحر هذا النت الغريب إلى ضفاف قصائد الشاعر المصري حسن حجازي والتي كنت وما زلت أجد فيها بعضا من أنفاس أبي القاسم الشابي وبعضا من آثار نزار قباني بل بعضاً من سحر روحانية جبران خليل جبران).من المفترض أن أكون في منتهى السعادة لكن ما ذكرته د. أسماء غريب ضاعف من عزيمتي وجعلني أتمسك برسالتي، لكنها لم تكتف بهذا بل أضافت من خلال دراستها لمجموعتي الشعرية (التي في خاطري) وعقدت مقارنة بين التي في خاطري /حسن حجازي /2009 ومصر التي في خاطري /أحمد رامي بداية الستينيات، أي مقارنة بين عهدين مصر/حسني مبارك ومصر/ جمال عبدالناصر. مصر الفتية الناهضة ومصر التي تتلقى الضربات والتي يكاد دورها يتهمش واسمها يتضاءل داخليا وخارجياً، تلك المقارنة بين عهدين وبين شاعرين .. وضعت على كاهلي الكثير .والأكثر صعوبة هو ما قاله الناقد المصري إبراهيم حمزة خلال دراسته لنفس المجموعة (التي في خاطري):أعود للقول إن تجربة شاعرنا في هذا الديوان، تحمل تطورا في الرؤى، وانخلاعا من الذات إلى خارجها، وتماساً مع قضايا حاكمة خانقة للمواطن العربي، ولذا فالديوان القادم (سيكون أكثر غضبا، وأشد قربا من الرجل العادي الموجوع بالأسعار والقهر والجهل والفقر، وفي كل الأحوال، أنت أمام شاعر رسالي، يسعى بكلمته للناس عبر لغة واصلة وصورة قريبة من الناس).وتشير د. أسماء غريب في نهاية دراستها لنفس المجموعة قائلة: (الجميل في شعر حسن حجازي بساطته كمفهوم يقربه من الرقي والجمال، ليس فيه مداراة ولا تحايل على الكلمة سواء في الشكل أو المضمون مما يجعل القارئ لا يكل ولا يمل من قراءة أشعاره، فالمعاني واضحة وصادقة بشكل يجعلها تصل مباشرة إلى القلب ولمَ لا وهي نابعة من القلب كي تخاطب وجدان القارئ).وتضيف غريب :(حسن حجازي شاعر مصري مشبع بقضايا الوطن الكبير حتى النخاع، لذا فقصائده العديدة لا تخلو من هذا النفس الحزين شأنه في ذلك شأن العديد من أبناء الوطن الذين أثقلت كاهلهم الهزائم ومظاهر الظلم والاستبداد. وقصيدتاه اللتان أهداهما لشهداء أكتوبر 73 والتان تحمل إحداهما عنوان (أنشودة لأرض الفيروز) أكبر دليل على ذلك، وكلاهما قصيدتان تنضحان برفض قوي لكل مظاهر الفساد والذل والدرن الذي أحال بياض كينونة الإنسان وخاصة منه العربي المسلم إلى سواد قاتم تنز منه دماء عفنة بشكل يعكس بقوة صدق ما يقوله الشاعر عبر أبيات معبرة وقوية حد الألم:...سمعت النسر الرابض / في أعلى الحصن / يغمغم في أذني:(ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة) / فصفعت الباب بوجهك في حسرة/وأزحت عني ثوب الذل .تجربتي الشعرية تمتد من الثمانينيات حتى الآن مواكبة لثورات الربيع العربي بل وكانت الكثير من القصائد إراهاصاً له وبثوراته كتبت لتونس، مصر، اليمن، سوريا ولا زلنا نحلم بربيع عربي نقي بلا دماء يكون إصلاحاً من الداخل يسوده العدل والمساواة والديمقراطية يشعر فيه العربي بكرامته وعزته وعروبته يشعر فيه بالعدل والمساواة واحترام الذات .. من الحاكم والمحكوم .. كان حلما وأصبح حقيقة فالفجر قد أشرق لكننا ننتظر الشمس تغطي عالمنا العربي بالعدل والمحبة والتسامح والمساواة .واختتم تلك الإطلالة السريعة بما أكده الناقد العراقي عباس باني المالكي عندما تناول مجموعتي الشعرية (25 يناير ... وميلاد جديد) بالدراسة والتحليل عندما قال :(إن الارتقاء باللغة إلى مستوى الإيقاع الموحد وجعل الكلمات متوافقة ضمن هرمون نسقي يتصاعد بالحس الشعري إلى مستوى القضية المعبرة عنها ودون الإخلال بذائقة هذا الإيقاع. يحتاج إلى معرفة لغوية واسعة بحيث يستمر هذا النسق في حدود المعنى المراد الوصول إليه بعيدا عن طرح القضية المعبرة كهموم ذاتيه لا تشمل مجتمعا يسعى نحو التغير. وهنا هي عملية الانتقال من الذات إلى الحركة الشاملة لذات المجتمع الذي يسعى إلى إحداث التغيير في حياته، كل هذا نجده في مجموعة الشاعر حسن حجازي (25 يناير وميلاد جديدْ) حيث لا يمكن إحداث هذا إلا من خلال تثوير اللغة وإبعادها عن ركامها الساكن في الرؤيا التعبيرية فيها ولكي يصل إلى هذا يحول طاقة مشاعره الذاتية إلى طاقة بقدر ما يمتد بلغة التعبير إلى خارج ذائقة قدرة اللغة على التعبير لأن التعبير هنا هو مجاراة حركة الثورة المتسعة لثورة الشعوب العربية، لهذا نجد الشاعر ولكي لا تصاب لغته الذاتية بالنكوص والتغريب بعيدا عن هموم الثورة الحقيقية للشعب ، يحاول الشاعر حسن حجازي أن يعتمد على الصورة الشعرية والتي يجعلها هي المعبرة والمشعة بكل معاني الكلمات التي تستطيع أن تبني هذه الصور الشعرية بشكل كبير دون الوقوع في تمازج المعاني وتتحول النصوص لديه إلى مشاعر مسطحة لا تحمل العمق الحقيقي لبناء النص الشعري ذي المعنى الكبير والدلالة العميقة، ويعتمد هذا على الصبر والتأني وفي نفس الوقت على مزج ذائقة اللغة القادرة على موازاة الحركة المتغيرة في الواقع الذي حوله لهذا نراه يأتي بالتاريخ لإثبات أصالة الشعب المصري ولكي يكسب الرؤيا الثورية لديه بعدا تاريخياً عميقاً وشاسعاً .حيث نلاحظ أن الشاعر يحضر الماضي ودون إخلال بواقع الحاضر بل لكي يضيف ويوسع منطقة التعبير ضمن هاجسه الثوري وكذلك لكي يكسب الثورة بعدا شرعيا تاريخيا بالتغير، فنلاحظ أن الشاعر أحضر حورس (حورس ! / الآن! / وفقط الآن ! / نحتاجكَ بشدة / فحلق على ربوعِ الوادي / واحتضن الفجرَ الوليد / وانشر ميزانَ العدلِ / على الوادي / فمصر الآن / تولَد من جديد)!وحين جاء الشاعر بهذا لكي يكبر الدلالات والمعنى في التاريخ المصري بأن هذا الشعب لا يرضى أن يستمر الظلم والاضطهاد له ولكي يثبت هذا من خلال هذا الرمز التاريخي (حورس) أي من أجل أن يرتقي بثورة الشعب إلى مستوى الرمز التاريخي في الإنضاج والفكر الذي تنتمي إليه هذه الثورة، وما هذه الثورة إلا التغيبر الحقيقي والحتمي من أجل أن يحقق الشعب كامل حقوقه في الحياة ودون الإخلال بسيرته التاريخية بل أعطاء لهذه المسيرة البعد الجديد الثوري لكي يرتقي الشعب إلى مستوى هذا التاريخ، والشاعر جاء بهذا الرمز في بداية مجموعته لكي يثبت عمق التغيير الذي ينشده الشعب المصري ذو التاريخ الكبير والعظيم كانت هذه الثورة بهذا المستوى الكبير حيث أزالت كل من لا يحترم كِيان هذا الشعب، وقد انتصر من أجل تاريخه وحاضره .