مدينة مسكونة بالحلم والأساطير وبطولة أبنائها
د/ زينب حزامعدن بلاد لا يمكن قهرها، هذا ما اتفق عليه المؤرخون وأرباب السياسة والشعراء، بطولة ابنائها وقدرتهم على هزيمة اعدائهم من المستعمرين وجعلهم يسجلون اعظم البطولات التاريخية التي سجلتها قلعة صيرة ومنارة عدن، حيث تضمد جراحها وتأخذ جرعة الحياة.ولا يهم أن يطول استشفاؤها في نهاية المطاف ينتصر الشعب ويسجل التاريخ بطولة ابنائه .. وعدن هي مسكونة بالجمال والحكمة وبهاء الطبيعة وشواطئها الذهبية .. تقع مدينة عدن على ملتقى عدة طرق تجارية تصل بين قارات اسيا وافريقيا واروبا .. وتمر بها تجارة الهند وتحف الصين وصناعات ومنسوجات الدول العربية الشقيقة والصديقة ولا يخفى مالهذا من آثر في الاقتباس والمحاكاة ولكن مهارة اهل الفن فيها، انهم لم يكونوا مقلدين، بل انهم اقتبسوه ولكن لهم حسن الاختيار وعمليات الحذف والتهذيب والتنقيح والإضافة، فابتكروا مايوافق عاداتهم ولا يتعارض مع معتقداتهم.احتلت مدينة عدن مكانة ثقافية مرموقة ميزتها عن غيرها من المدن اليمنية، اشتهرت بمواقعها التاريخية مثل الصهاريج وقلعة صيرة وفنها المعماري القديم الذي يميزها عن غيرها من المدن، كما حظيت بعناية المؤرخين عبر العصور، فزارها عدة باحثين مهتمين بحضارة اليمن.وتشتهر عدن اليوم بمنارتها القديمة وصهاريجها وقلعتها التي شهدت العديد من المعارك التاريخية التي تدل على بطولة ابنائها في الحفاظ عليها، اما عن آثار هذه المدينة التاريخية فيمكن القول ان هذه الآثار محفوظة لأنها وجدت من يحافظ عليها من أبناء عدن، رغم محاولة طمس تاريخ المدينة، وتعرض آثارها ومواقعها التاريخية لعملية النهب وتهريب القطع الأثرية الى الخارج تحت ما يسمى خبراء من الدول المتقدمة.[c1]درة الفن في العمارة الإسلامية التي تتميز بها مدينة عدن[/c]مدينة عدن، وبالذات منطقة كريتر تشتهر بالمواقع التاريخية والمتاحف الوطنية والمحلات التجارية والأسواق الشعبية، إضافة إلى الفن المعماري القديم والحديث، حيث نجد واجهات الجوامع فيها مقوسة او شبة مستديرة كبست بالرخام الأبيض وعليها زخارف كثيفة مذهبة ومحفورة وطرزت بالنقوش بالفن الإسلامي وفن العمارة القادم من دول اوروبا حيث تأثر الفن المعماري العدني بالفن المعاري البريطاني الذي دام فترة طويلة في عدن .. ومع هذا احتفظ ابناء عدن بتاريخهم الاسلامي والتراث الاسلامي، وقاموا بحفظ القرآن الكريم حفاظاً على اللغة العربية والتاريخ العربي الاسلامي.وتميزت مدينة كريتر في مبانيها واسواقها الشعبية الاسلامية المزخرفة واصبحت تقليداً معمارياً يحفظه البناؤون عن ظهر قلب حيث كانت الدليل القاطع على رعاية الاسلام للإنسان مهما كانت جنسيته او ديانته من خلال توفير المياه المعدنية للشرب وهو ماتم تحقيقه خلال توفير الآبار، وتنقية مياه البحر في عصر إنشاء السبل العربي الإسلامي.وفي مدينة كريتر بعدن يقع مسجد العيدروس الشهير بالبناء والتصميم والنقوش الإسلامية كما يوجد في كريتر قصر السلطان والذي تحول فيما بعد الى المتحف الوطني، ويتميز بجودة اعمال الرخام والاخشاب الملونة المذهبة ويعتبر هذا المبنى من ضمن التراث الخالد الذي تتميز به مدينة كريتر.[c1]زخرفة الخشب[/c]أبدع الفنان العدني في زخرفة الخشب وتطعيمه كذلك بكتابات متنوعة والآثار التي تركوها تدل على تفوقهم في التخريم والتطعيم والحفرة تكون داخل وحدات زخرفية وربما طعموها بالذهب والعاج ومن الآثار التي لم تزل باقية الى اليوم من الخشب دقيق الزخارف جميل الكتابات كان مرقد الإمام العيدروس رحمة الله عليه . وفي مدينة عدن توجد عدة صناديق لاضرحة بعض المشاهد مزينة بزخارف دقيقة فوقها كتابات جميلة تافرة بخطوط متنوعة وقد تأثرت بتفاوت درجة الحرارة في عدن، وهذا التفاوت إثر على تفكك القطع الخشبية ولذا فأن ماوصلنا من الآثار الخشبية قليل بالنسبة لما ادركناه من آثار الرخام والنحاس وغير ذلك.[c1]صناعة التحف المعدنية[/c]ومن الصناعات التي تميزت بها مدينة عدن صناعة التحف المعدنية المطعمة بالذهب والفضة حيث زينت بكتابات وزخارف وتصاوير لتزيد في جمالها وبهائها، وهذا الفن ورثه العدني من أجداده كما تأثر بالفن الهندي، نتيجة العلاقات التجارية بين الهند وعدن منذ الصور القديمة حيث كانت العلاقات التجارية بين الهند وعدن مزدهرة وجمعها، وبما يتناسب مع العادات والتقاليد العدنية، وكان الفنانون يجتهدون بما تنتجه المدرسة العدنية، ويحاولون محاكاته والاقتباس منه وما تزال التحف الكثيرة مزينة بأصداف الشواطئ الذهبية المستخرجة من بحر عدن، كما تحمل هذه التحف تصاوير الأسماك ومناظر البحر.[c1]عدن الثقافة والفن[/c]تشتهر عدن بالعديد من المراكز الثقافية والفنية، وفيها العديد من الفرق الغنائية والموسيقية والمطربين، ومنهم المطرب الراحل أنور أحمد قاسم وهو من مواليد مدينة الشيخ عثمان ـ محافظة عدن ـ نشأ وترعرع في بيئة فنية عريقة، فقد كان والده أحمد قاسم مطرباً ذائع الصيت ويعد من اساطين الطرب في زمانه لإجادته كافة الألوان الغنائية اليمنية القديمة وكان اخوه محفوظ أحمد قاسم ايضاً من أبرز ضاربي الإيقاع في عدن.كان الفتى انور ملازماً لوالده مواظباً على حضور مجالس القات وحفلات الاعراس فكان مساعداً للوالدة، مما جعله يتعرف على أساليب الغناء اليمني القديم والإرتواء بالنغم الشعبي الأصيل وتعلم العزف على آلة العود القديمة، وبعد مرور الوقت اصبح انور أحمد قاسم من أبرز العازفين على آلة العود القديمة والحديثة وحافظاً لتراثنا اليمني بكل الوانه، كما كان حافظاً لعدد من الأغاني المصرية والهندية.توفي الفنان انور أحمد قاسم ـ رحمه الله ـ عن عمر يناهز الخمسين عاماً تقريباً في حادث غرق وهو في قمة الشهرة والعطاء الفني.وفي اوائل عام 1970م تأسس في وزارة الثقافة بعدن قسم الموسيقى والفنون الشعبية، وأول فرقة موسيقية غنائية لإحياء الآلات اليمنية القديمة والغناء اليمني الشعبي وكان أنور أحمد قاسم مغنياً وعازفاً على آلة العود او القنبوس.ومارست هذه الفرقة نشاطها على مستوى الإذاعة والتلفزيون وقدمت العديد من الأغاني التراثية مثل سرى الليل، خطر غصن القنا، قال بوزيد ، يانسيم الصبا وبعض الأغاني الأخرى.لم تدم هذه الفرقة طويلاً فسرعان ما تفرق افرادها لاسباب عديدة لعل اهمها عدم وجود ميزانية ثابتة في ذلك الوقت لتحويل وتوظيف اعضائها، فقد كانت الوزارة حديثة العهد وبعض قطاعاتها حديثة التكوين ولعل الظروف ـ وهذه امنية ـ تساعد على إحياء هذه الآلات التراثية من قبل قادة الفرق الموسيقية في بلادنا.يقول الشاعر والمحن أحمد فضل القمندان في قصيدته الغنائية تاج شمسان:إذا رايت على شمسان تاجاً من المزن يروي المحل في تبنقل للشبيبة نبغي هكذا لكمتاجاً من العلم يمحو الجهل في اليمن.