عدن الميناء المدينة الحضارة عين اليمن الثغر الباسم ابدا عبر التاريخ التي لا يمكن أن تقرأ كتاباً من كتب الرحالة والمستكشفين إلا وتجد فيها ذكر عدن، ولا يمكن أن تكتب كتاباً عن ميلاد التاريخ البحري العالمي إلا وتذكر فيه ميناء عدن .ووردفي (سفر حزقيال من الكتاب المقدس إن عدن كانت مزدهرة في العام 600 قبل الميلاد عند الحديث عن صور والخطاب موجه إلى هذه المدينة : من المتاجرين معك أيضاً أهل حران وكنه وعدن وأشور وشبا وكلمد ، هؤلاء قايضوا بضائعك بنفائس الأردية الأسما نجونية المطرزة وبسجاجيد ملونة مبرومة الخيطان ومضفورة بإحكام). ( ثم ازدهرت عدن مرة أخرى إبان القرون الوسطى ، ويمكن أخذ فكرة عنها خلال أحدى أهم فترات الصعود من خلال الحفاوة التي استقبل بها السلطان الرسولي وحاشيته عند وصولهم إليها في عام 1299م وقد تباحث السلطان مع التجار الذين لم يكونوا كلهم من العرب حول أفضل ما يمكن عمله في نطاق الاهتمامات العدنية).
بدر عبده شيباني
وعندما كانت عدن تحت حكم السلطان العبدلي حسين فضل عبد الكريم المشهور باسم “ محسن” ابن أخ سلطان لحج أحمد وفي عهده تم احتلالها عام 1735م وهي مرهقة من صد الهجمات البرتغالية وقد ( تمكن من فرض النظام وإشاعة الأمن بقوة وشجع التجار الهنود الذين كانوا أكثر في المخا والمكلا إلى المجيء إلى عدن والاستقرار فيها للتجارة وكان يريد من شركة الهند الشرقية أن ترسل بممثل لها في عدن على غرار ممثلها في المخا لتنشيط التجارة التي كانت في حالة ركود ، لصادراتها التي كانت من حبوب الذرة ، النحاس، البن أما المواشي والمر و الصمغ واللبان فكان يجلبها التجار الصوماليون والملابس ، الرز، الحديد، والرصاص القرفة من بلدان الشرق والتمور من الخليج التي تجلبها السفن إلى ميناء عدن وكان لها حاكم ومساعدون له ومسؤول جمارك وحرس يتراوح عددهم بين 10 - 15 رجلاً).( ومدينة عدن هي تكوين بركاني عجيب يمتد داخل البحر ولها ميناءان ممتازان حازا إعجاب الكابتن هينس وبالتأكيد فقد حازا إعجاب آخرين قبله مثل اللورد فالنتيار في مطلع القرن التاسع عشر الذي وصفها بأنها - جبل طارق الشرق - رغم أن التلال المحيطة كانت قاحلة وعارية إلا أن مرأى الوادي كان بديعاً - الأمر الذي جعل ( منظر المدينة) إجمالاً يبدو في ناظريه رائعاً والمدينة وكأنها مسرح دائري) “ جوردن ووتر فيلد - سلاطين عدن- 839” ام
ووصف عدن الملازم ويلستيد من سفينة المسح “ Palinurus” في سنة 1835م قبل زيارة ليي بأربع سنوات قبل احتلالها ( كان نصف هؤلاء من العرب، البقية يهود وصوماليون وقلة بنيان (هندوس) ويوجد قليل من التجار العرب). ( أكثر المنازل الجيدة شغلها بانيان الذين كانوا المتولين لمجمل النشاط التجاري تقريباً ). ( و العديد من الأماكن الأخرى التي ذكرها ليي “ظاهرة على خارطة موقعة من الكابتن هينس ومؤرخة في 20 فبراير 1840م). [c1]يوميات الاحتلال[/c]
وسنقوم برحلة خاطفة في ترجمة للأستاذ وليد عبد الحميد النود ( لدفتر يوميات الأيام الأولى للاحتلال البريطاني لعدنِ) للبحارالإنجليزي جون ستودي ليي الذي بلغ عدن على متن المراكب التجارية الكايت” فجر 26 ديسمبر 1838م وكانت سفينتا الحرب الماهي MAHI والكوت COOTE ترسوان في الخليج الأمامي بقيادة كابتن دينتون وكابتن هينس ، وخلال اليوم أطلقت (المايا) قذائف إلى داخل البلدة وردوا عليها وتؤرخ اليوميات تبادل القذائف المدفعية خلال ديسمبر 38م والأيام الأولى من يناير 1839م وسارت العمليات الحربية خلال خمسة أسابيع التعزيزات من بومباي وفي يوم 11 يناير كانت المدفعية نشطة وأحرقت داراً بقذيفة إشعال وبعد عودته من بربرة في 30 يناير 1839م كانت عدن قد تم احتلالها في يوم 19 يناير 1938م والسفن الحربية للتعزيزات ترسو في الخليج الخلفي وهي ( فولاج 28 وكرويزر 18 ، السوجي فاميلي، أرناد كريتشتون ، والكوت والماهي والهوج ليندساي) وقد انتهت العمليات القتالية بخسارة 13 بريطانياً بين قتيل وجريح وفقد العرب 114 بين قتيل وجريح ( وفي التقرير الرسمي للكابتن هينس يقول 15 بريطانياً و150 عربياً) وتعترف كل المصادر البريطانية بأنه تم احتلال عدن عسكرياً وقصفها بقذائف المدفعية من ست سفن حربية ومن ثلاث جهات في الخليج الأمامي والخلفي ( حسب الخريطة) ويذكر في هدية الزمن في أخبار ملوك لحج وعدن للأمير أحمد فضل بن علي محسن العبدلي ( القمندان) ( وفي 25 شوال 1254هـ 1838م تناوش المركب كوت وقلعة صيرة بالمدافع واستشهد من أصحاب السلطان ثلاثون قتيلاً وفي أوائل القعدة وصلت إلى عدن قوة من المراكب الحربية وضربوا بالمدافع وخسر العرب على ما حكى مؤرخو الانكليز مائة وخمسين بين قتيل وجريح ولم تزد خسارة الإنجليز على خمسة عشر .[c1]معالم ومساجد[/c]
( وكان ليي متسلق منارات كبيراً. من الأربع المذكورة عند “ ويلستيد صعد ليي ثلاثاً ( منارة الجامع ) والمنارتين العائدتين إلى المسجدين بوسط المدينة واحدة منها منارة (سلامة) وصفهما بأنهما كانتا في حالة صيانة جيدة كبنايتين أنيقتين بشكل ثماني ألأضلاع وبارتفاع نحو ستين قدماً جللت قمتيهما قبتان وزخرفت جوانبهما برسوم شتى) وعلى اليمن عند سفح الهضبة ، نصبت مواقع للمدفعية وقرب مواضع الرائد بيلي عند مسجد علته منارة إلى الجهة اليسرى من المعبر الجنوبي ومسجد الجمعة ، تساندها كذلك المنارة الواقعة في الأرضية الخلفية الأبعد لمسجد العيدروس بقبته البيضاء وأقرب إلى القسم الرئيسي من المنازل ، وزرفا مسجد العيدروس والمحكمة والمباني الملحقة التي جرى استخدامها كملجأ من قبل النساء واليهود يوم الغزو لعدن ، وتصف الصفحة ( 190) المخطط الأصلي لداخل المسجد ، كما بني في أوائل القرن السادس عشر وأعيد بناؤه في سنة 1859م وخصصت أحد المباني الملحقة به مدرسة طلاب يكتبون على ألواح خشبية وفق الإملاء من معلمهم الراعي الروحي للمسجد وفي 4 فبراير 1839م صعدنا المنارة الخربة وقد أصابتها طلقة أو طلقتان وبعد الغداء زرت مترجمي ( ما جوي بن سعد) بمنزل راشد بن عبدالله لتسليمه نقوده القليلة وظهر مبتهجاً جداً ويقسم المدينة مسيل يحمل مياه الفيض الفصلية إلى الخليج من مستجمع المياه بالطويلة ومن وادي الخساف حيث محل إقامة الآمر هينس بالقرب من قصر السلطان بالطرف وعلى الجانب الجنوبي للوادي حاجز المياه وقوة المدفعية ومكان الحدادة كانت جوار دار الجمارك وعرجنا بعدة آبار وخزانات بغير عدد بإزاء مسيل أحدثته مياه الأمطار أقيم ( الحائط التركي) الذي يمتد نحو ثلاثة أرباع الميل في عهد سليمان الأول ابن سليم خان ( العثماني) 1520م .وامتد بعرض البرزخ الذي يصل شبه جزيرة عدن بالبر الرئيسي ، حالياً الحائط بحالة متهدمة وكان يمد بالماء المدافعين عنه بواسطة قناة لجر المياه مسافة نحو سبعة أميال من سلسلة آبار بالشيخ عثمان إلى سفح جبل حديد ، وبنيت أو أعيد أبناؤها عند بداية القرن 16 وبقاياها لا تزال بادية للعيان ، أما المقبرة التركية الواقعة على الجانب الجنوبي من المدينة وصفتها كلمات هنيس ( العديد من القبور أقيمت بالكامل برخام مجزع على نحو بديع ورخام أبيض صاف ) وللمدينة العديد من الأنفاق والبوابات بعضها من الخشب الكبيرة ومسامير ضخمة كبيرة وسميكة ، تلك بعض مما وصفه جون ليي في دفتر يومياته التي اختتمها في عام 1840م.[c1]هدية الزمن[/c]
ونطل قليلاً على ما أرخه القمندان في هدية الزمن، فيما ذكره المؤرخون الأقدم عبر التاريخ منذ ما قبل الميلاد وبعده، فأعلى فيه كعب عدن على اغلب فصوله الـ 19 (وأنها أعظم موانئ اليمن وتصلها المراكب العظيمة من الحجاز والسند والهند والحبشة، وأم مدن اليمن التي عليها العماد والزمام الذي به يقاد، وهي سوق تستمد منه جميع الأسواق في بلاد العرب، وفيها التجار الأغنياء وقد يمتلك التاجر العظيم فيها من الأموال أكثر مما يمتلك جميع تجار مدينة بأسرها) (ص 20 ـ 23)، وارتباطها بلحج وأبين، وبكل حضارات وممالك وامبراطوريات الدنيا كلها على مدى العصور.ويحكي لنا القمندان عن عدن، وتسميتها الآتي من (العدون الإقامة فيها) واختلف المؤرخون عبر التاريخ في تسميتها حسب عصر كل منهم، ثم ما قاله الشاعر: [c1]تقول عيسي وقد وافيت مبتهلا لحجاً وبانت لنا الاعلام من عدنأمنتهى الأرض يا هذا تريد بنا فقلت كلا ولكن منتهى اليمن[/c]وكذلك نماذج من قصائد شعرائها وأدبائها منهم الأديب العندي وقصيدة للشاعر التكريتي العدني التي قال فيها بعض الأدباء: كل الشعراندرس إلا ما كان من قصيدة التكريتي، وحدثنا عن النار التي تخرج من قعر جبل صيرة، وعن هابيل وقابيل وجنة عدن، وعن (إرم ذات العماد) وعن أهلها، وما نقله عظماء المؤرخين من أبي محمد الحسن بن أحمد الهمداني، وابن قتيبة في المعارف، وابن بطوطة وابن خلدون وقال أبو الطيب في تاريخ ثغر عدن (عندما استولى بنو زياد من قبل المأمون العباسي على اليمن بأسره عام 206، كان غالب بيوتها الخوص ولا يقدر على بناء البيوت الحجر إلا أولو الثروة إلى أيام زريع، وصل إلى عدن أبو الحسن الضحاك الكوفي يرغب في سكنى عدن، وقال: (وهو أول من أظهر المقلاع موضع يقلعون الحجارة) وآل زريع هم أول من بنى سور عدن وجعلوا له أبواباً عدة، كما رجح تاريخ إنشاء الصهاريج إلى المؤرخين الذين قالوا بأنها بنيت في القرن الخامس ومنهم من رجع بها إلى 1500 سنة قبل المسيح، وذكر بعضهم قصور عدن وقال (ومن قصر عدن دار السعادة) بناه سيف الاسلام طغتكين بن أيوب من جهة حقات (القطيع) وقصر (دار المنظر) وكانت للداعي محمد بن سم الزريعي على جبل حقات، وقصر (دار الطويلة) بناها ابن الحابي على محاذاة باب الفرضة، ومن دور عدن (دار البندر) أمام المرسى بناها الشيخ عبدالوهاب بن داؤد، وذكرنا القمندان بالحادثة المسماة السعدانية التي تدخل فيها العيدروس من مناصب عدن (السيد زين الدين العيدروس ـ قاضي عدن) ولماذا عادوا إلى بيوتهم ينشدون (روحنا من السعدية ـ بلا سيف ولا جنبية) في صباح 14 رمضان 1251هـ، ولازالت تذكر وتردد لدى العدنيين حتى اليوم).
تلك هي بعض من ملامح الوطن عدن، التي تطول كثيراً قائمة كتب الأرض التي ارختها، وكتب السماء التي ذكرتها للذين يمكن ان يفهموا معنى الوطن والمواطنة والحقوق المدنية، وإلا لو كانوا قد فهموا حاجة، أو قرؤوا حاجة مما في (الجذور) The Roots، لعرفوا معنى الحرية والديمقراطية في اغتيال دكتور مارتن لوثر كنج، وباتريس لومبا، والمهاتما غاندي، وإبراهام لنكولن، أو عن مالكولم أكس وأنجيلا ديفيز، ونيلسون مانديلا، ودكتور ارنستو شي جيفارا رمز الثورة، وقد يفهمون بأن الانتماء للوطن لا يحدده الأصل والاسم، وإنما أشياء اخرى لم يكونوا جزءاً منها ولن يكونوا منها، لأنهم يريدون شيئاً آخر مختلفاً تماماً عما ما يريده الشعب؟!