نبض القلم
من غير شك إن مجتمعنا اليمني يسعى لتحقيق تقدمه وتطوره من خلال إحداث عمليات تنموية في مجالات الحياة المختلفة، ويعتبر الانسان محور كل هذه العمليات، فإذا ما احتوت قيمه على جوانب تناهض أو تشوه أهداف المجتمع تصبح هذه القيم مستهجنة وغير مرغوبة، لأنها تحافظ على حالة التخلف التي يعيشها المجتمع، في حين تكون القيم مرغوبة أو مستحبة ومستهدفة إذا كانت تحتوي على طاقات دافعة للإنسان ليساهم بنشاط وفاعلية في عمليات التنمية المختلفة.ومن القيم المستهجنة الموروثة ما يتعلق بالتربية الاستبدادية سواء في الأسرة أو المدرسة أو المجتمع، ويعتمد هذا النوع من التربية على التسلط والقسوة، ففي الأسرة يتبوأ فيها الأب أو من يمثله مكان الصدارة فهو رب الأسرة وصاحب الرأي الأوحد والمسؤول عن كل شيء، في حين يكون الطفل أو بديله في المجتمع كالموظف أو المرؤوس في قاع النسق الاجتماعي، ما عليه إلا الطاعة المطلقة، وفي هذه الحالة يكون الفرد خاضعاً لسلطة قوية ونظام اجتماعي لا يقبل التغيير.وأساس هذه القيم التربية القائمة على التلقين لتأديب الفرد وتربيته ليكون مطيعاً طاعة عمياء، وتوقيع عقوبات هائلة عليه، أو ضغوطات نفسيه تشعره بالإهانة والتحقير أو التصغير والتقزيم، فينعكس ذلك عليه سلباً في حياته العامة ويتجلى ذلك بوضوح في سلوكه الاجتماعي حين يلجأ الفرد الى الغش والتحايل والتمويه والخداع لاثبات ذاته المحتقرة من قبل ولاة الأمر، كما يحدث في الامتحانات او في اتباع انماط سلوكية انتهازية.كما ان اسلوب التلقين من حيث هو طريقة للحفظ والصم دون فهم واستيعاب وتساؤل له نتائج قاسية على الفرد، حيث يتحول الى ببغاء يردد ما يسمع فقط، فتتعطل طاقاته الإبداعية، ويستبدل بها قوالب فكرية جاهزة.وهذه القيم من شأنها إذا ما شاعت في المجتمع ان تقضي على أية بادرة ايجابية لدى الأفراد، فهي تحدد مكانتهم وأدوارهم تحديداً خاطئاً فتثير في نفوسهم اليأس وتقتل طموحاتهم وتضعف ثقتهم بأنفسهم وتحد من استقلاليتهم، فيبقون معتمدين على الغير، ليس لهم رأي ، بل يذعنون لأية سلطة أقوى منهم، ويلجؤون للمداهنات، والنفاق والتزلف، كوسيلة للتعويض عن مركب النقص في ذواتهم.وفي مقابل ذلك هناك قيم تهون من قدر الشباب وتسخر من حماسهم وطموحاتهم الواسعة، فتعمد إلى تقييد حرياتهم، وتحول دون انطلاقتهم لتقرير مصيرهم، وتكوين آرائهم المستقلة، في وقت تقوم أجهزة الإعلام المختلفة بغسل أدمغتهم يومياً بما تبثه من مواد اعلامية مكثفة عبر وسائل الاعلام المتعددة في برامج الإذاعات المرئية والمسموعة وفي الصحف و الكتب والنشرات والانترنت وغيرها، وهو ما دفع الشباب الى التعاطي معها بهوادة أو تجرعها قسراً، ونجم عن ذلك بروز نمطين من السلوك، أحدهما ظهر على صورة التمرد لمجرد التغيير دون وعي، لتحمل المسؤولية ما بعد التغيير، فهذا النمط السلوكي يقف ضد كل الأطر الاجتماعية التسلطية بما في ذلك السلطة السياسية، التي يعتقدون انها تنال من حرياتهم وخبراتهم، وتشعرهم بضآلتهم، وان لا قيمة لهم في المجتمع، ولذلك يلجأ بعضهم الى الاحتجاج الصامت المتمثل في التمرد على القيم الاجتماعية السائدة، لانهم فقدوا الثقة في القديم ولم يجدوا جديداً نافعاً يؤمنون به، والبعض الآخر منهم شعر بالتفاوت بين طموحاتهم وبين الآفاق الفعلية المتاحة أمامهم، فهم يواجهون البطالة بعد تخرجهم، فيتمردون على المجتمع، ويثورون على السلطة السياسية، ويطالبون بالتغيير، لأنهم لا يرون في واقع حياتهم ما يلبي طموحاتهم، وربما يكون ذلك دافعاً للسلطة السياسية للتجاوب معهم، وحل مشكلاتهم والنظر في قضاياهم، غير أن الأحزاب السياسية تستغل حماس الشباب للتغيير، ورغبتهم في الانطلاق نحو آفاق جديدة، فتعمد الى توجيه ذلك الحماس وجهة انتهازية بما يلبي طموحات قياداتها، لا بما يلبي طموحات الشباب، فيدخل المجتمع من جراء ذلك في دوامة من الفوضى، وتتعطل فيه التنمية، خاصة عندما تكون القيم مناهضة للتنمية، كما هو الحال في بلادنا في الوقت الراهن.[c1]*خطيب جامع الهاشمي بالشيخ عثمان[/c]