اللون فكرة تشي بطريقة العيش داخل اللوحة، إما ادخاراً يقود إلى المحافظة والتعايش، وإما إنفاقاً يحمل الهتك والإمعان في التخريب، خاصة في العمل الفني الذي يستلهم الطبيعة، مقاربة الأنثى في صيرورتها، مقاربة الجنين واستمرارية الحياة .في معرض الفنانة المغربية ادريسية أويديدن في رواق محمد الفاسي في مدينة الرباط ثمة ميزتان: لوحات تجد استمراريتها في لوحات قرينات، سواء من ناحية القياس 100/ 100 أم لجهة التواصل اللوني خاصة عند الحافات، وكأنها مهيأة لأن تكون سلسلة، تحاكي دورة الحياة/ الأم؛ حملاً، ولادة وحياة مع انتباه مضيء إلى تكسير الروتين وإعاقة حضوره، وعليه تبدو اللوحات ذاته شخصية مستقلة، معتدة بنفسها، أو ميالة إلى الحضور الجمعي مع شبيهاتها. العمل الجمعي يتوافق مع عمل الطبيعة، إذ هو بناء، وغالباً ما يكون العمل الفردي تهديماً، فاتخاذ قرار الحرب هو شأن منفرد، ونزق لا تتشارك فيه الجماعة ينسجم مع الروح المستبدة. والميزة الأخرى هي قطع بعض اللوحات بخطوط أفقية بلون بني غامق، توجه النظر إلى بؤرة تركيز، تجمع في مركزها انتباه المشاهد بشكل أفقي، مشيرة إلى كينونة الخطوط التي هي صميم العمل، لذا تمارس تلقائياً تشتيت المهمش، الذي يحضر بصفة ثانوية مساعدة غير أساسية داخل المساحات المتبقية من الفضاء. هذه الخطوط موضوعة بشكل حاذق يحمل المأزق والحل في الوقت ذاته ، إذاً، سيجلب أي تصرف غير مدروس الضرر، وربما يفتك بالجمالية، لكن خبرة توزيع الأشكال، متناسبة مع ألوانها، تمنح هذه الأشكال المعترضة فضاء اللوحة إحساساً مرهفاً وشعوراً مؤكداً بعدم مثول العائق. ألوان الطبيعة تتصرف بحقها الكامل في حضور غير منقوص السيادة في إشعاع بهجة الأشجار. تستعمل الفنانة إدريسية تقنية الورق الصيني الرقيق لعمل عروق أو جذور، أحياناً ورق الرز مع خيوط القش. في بعض لوحات المعرض، تتسيد العروق المساحة كلها، وتتحوّل من نصير مساعد إلى مانع جمالي يعزل النظر في أفق محدود، ما يجعل الخطوط الأفقية تندحر بمهارة وتجعل مساحة العين تقتصر على العروق، بينما الخطوط تلك، هي ميزة عمل الفنانة في معرضها (ألوان التراب).ينبني اللون أفقياً في غالب اللوحات، محاكياً وقوف الأشجار في الطبيعة، التي لا تزال في استمرارية الوجود، في عين الاهتمام رغم محاولات التدمير وعبث الإنسان بالوجود الأخضر المنتج. البناء اللوني العمودي يوحي بالوقوف، الإرادة واقفة، باسقة التصميم. ثمة عودة إلى اللون الأزرق الذي هجرت معاشرته الفنانة منذ أعمالها المبكرة بتصميم، معاهدة عملها القطيعة معه، لكن، يبدو هذا الرجوع غير إرادي وهو أنثوي. إذ تميل الأنثى إلى العودة إلى عالم الولادة. وإن تخونها المقدرة البيولوجية، العمر وقابلية الرحم استقبال الجنين. تتكرر السلسلة اللونية والأحجام ذاتها في لوحات الأزرق. تبدو الطبيعة ساخنة تفور بدلالاتها، فارضة على المشاهد تقبل ما تجود به، بينما في جل اللوحات، وربما بسبب تعايش اللون البني مع الألوان الأخرى القريبة منه كالأصفر أو البيج، تبدو الطبيعة خافتة، رغبة في إشهار التسامح والتعايش. يشهد اللون تسمية ذات مدلول، الأحمر والدم، الأسود والحزن، وكذلك دلالات سياسية ودينية. مثلاً، لا يفارق اللون الأخضر الداكن في العراق ملابس أعوان البعث، وأصبح في تلك الفترة شتيمة، أو إهانة توجه إلى الشخص عندما تصفه بالمرتدي ‘الزيتوني’. لون السجون في الاتحاد السوفييتي السابق هو الزيتوني الغامق، يشيع الإحساس بضيق المكان وانسداد الأمل. إضافة ما للألوان من علامات سياسية، ألوان أعلام الدول، ودلالات دينية كالعمامة السوداء أو البيضاء. الاستعمال المفرط للورق الصيني تقابله شحة حضور الرمل، إذ تنوب الألوان عن حضور الأحجار، تزول الأشياء وتحضر بدلالاتها.وبغض النظر عن استلهام الطبيعة في المعرض، لا تتوافر قطعية رأي بأن المقصود هو تكريمها متمثلة بالأشجار والجذور من الناحية الكينونية المجردة، إنما احتفاء بها، كوجود دلالة، يمكن الرجوع إليه في استفادة من معانيه، إلى ما يجود به من أمان وحماية. يعوض الفنان المعاصر خسران عواطفه، وفقدان الضروري من وجوده، بلجوئه غير المشروط إلى تسوية إنسانية وفنية، تجعل الجسد معادلاً الطبيعة، باحثاً عن تعويض خسارة. الذي يتحسر عليه، غفلية النقد التشكيلي لهذه الفنانة، فلم تحظ بالضوء الذي هو مرادها في معرضها.
|
فنون
الفنانة المغربية إدريسية أويديدن في معرضها (ألوان الأرض)
أخبار متعلقة