فيض الخاطر
حسن الزبيدي .. اسم لم أكن قد سمعت به من قبل، أو تحدث عنه أو عن شخصيته أو موهبته أحد. لا في مجلس من مجالس القات أو المنتديات العامة أو الخاصة ولا أي من وسائل الإعلام.. رجل كهل جاوز الخامسة والستين من عمره، أشعت، رث الثياب، مهلهل المظهر، لا تدل هيئته في أحسن الأحوال على أي شيء آخر يوصف به إلا أن يكون فناناً مقتدراً مرموقاً، نعم إنه حسن الزبيدي .. فنان مطرب أصيل، يعرفه القاصي والداني فقط في حدود مدينة دارسعد. وبأنه فنان الأزقة والأرصفة والشوارع .. وأهمها سوق القات الذي لايمكن أن يضيع عنه أو يفتقده.من غير مقدمات دلف مهرولاً إلى مجلسنا ونحن في استضافة كريمة لدى أحد رجال الأعمال من محبي الثقافة والفنون .. دلف محتضناً عوده العتيق المتهالك وهو يعزف عليه راجلاً، وصوته يجلجل في أرجاء الصالة التي تحتوينا ونحن (نخزن القات) .. صوت متميز .. نقي .. واضح وقوي يصدح بأغنيات متتابعة متلاحقة دون توقف ـ Non Stop Dynamic بمصطلح الإنجليز ـ وهو واقف على قدميه غير قاعد فغنى الصنعاني فاللحجي فاليافعي والعدني .. وقد لا أكون مبالغاً لو قلت إنه بصوته وقدراته على العزف على عوده ـ شبه الأعرج ـ الذي يعلق على عنقه (علاقي) يه بقايا وريقات قات جافة .. انه يفوق الكثير ممن هم في ساحة الغناء والطرب من الأدعياء إلا من مظهرهم الأنيق وملبسهم الفاخر وعطرهم الباريسي غير المقلد الذي يضمخ أبدانهم.. فبدلاً من أن تفوح منهم مواهبهم، تفوح روائح عطورهم .. وقد تزكم الأنوف أحياناً جراء غلاء أثمانها، ورحم الله أستاذنا الكبير مسرور مبروك حين وصف غنائهم في أحد منولوجاته:[c1]مغنى مخربط بلا معنىكأنه إلا جمل يجعرطفش بأهله وجيرانه[/c]هذا الكهل أو هذا الشيخ المسن ذكرني بسلوك شعراء الصعاليك العظام الذين تركوا لنا تراثاً من الشعر الجزيل حتى صار ركناً من قوام الشعر العربي، ولم تكن تهمهم مظاهرهم أو نظافة أجسادهم بقدر ما كانت لهم فلسفتهم في الحياة قوامها الصدق والكرامة والاعتزاز بالنفس .. حتى انهم لجؤوا إلى القفار والصحارى ليقيموا فيها، ابتعاداً عن زيف الحياة في الحواضر والعمران ونفاق ساكنيها.بعد أن أطربنا شيخنا الزبيدي ـ جميعاً، وأنا على الأقل مذهول بما أشاهد وأسمع .. سادت لحظات من الهدوء والسكينة، فسألته عن عمله!! رد بفطريته وأريحيته: أنا مطرب!! قلت وكم لك في الفن؟ قال: (35) عاماً!! قلت: وكيف أتقنت العزف على العود؟ قال: علمني عوض عبدالله المسلمي .. سألته بمكر: ومن هو عوض المسلمي؟ قال: هو الفنان الكبير عوض عبدالله (الأعمى) .. علمني كيف أمسك العود .. وكيف أفهم نغم الوتر وضبطها .. واستمع لي فترة من الزمن حتى أجدت. قلت له: والله لقد تتلمذت على يدي أحد أساطين الغناء فما كذبت خبراً. استدار مودعاً بعد أن أكرمه صاحب الدار بما تيسر وهو يقول: اسمحوا لي سأذهب لأغني في سوق القات لأجمع رزق الجهال وحق القات.بعد أن أكملت كتابة هذه المقالة العجالة عن فنان الشوارع حسن الزبيدي، طلبت من نجلي الأكبر وضاح أن ينسخ لي صورته التي كنت قد التقطتها له بكاميرا هاتفي النقال .. فما إن رآه حتى فاجأني برده: أبي شبكة الانترنت وبالأخص موقع (يوتيوب) يحتوي على عشرات وعشرات من التسجيلات الغنائية له .. إنه فنان سوق القات الفنان الزبيدي (مقاطع كثيرة لا حصر لها صورها مغتربون وغيرهم من هواة التصوير بكاميرات الهواتف ونشروها على هذا الموقع وهو لايعلم عنها شيئاً).