لا يمكن تفسير المواقف المتعددة التي تصدر عن قادة أحزاب «اللقاء المشترك» بغير الدفع ببلادهم إلى الفوضى والخراب، ولذلك لاتزال الأزمة تراوح مكانها من دون حل، ما بات يهدد اليمن ككل وليس هذا الفريق أو ذاك.هذه الأحزاب تتهم الرئيس علي عبدالله صالح بالمراوغة وكسب الوقت فيما لكل منها موقفه وصوته وقضيته، وأساليبه التخريبية اللئيمة، بعضها يريد محاكمة الرئيس، وآخر يطالبه بالرحيل، وثالث يعلن أنه لن ينهي التظاهرات في الشارع إلا بعد تنحيه، وتناسى هؤلاء أن الرجل يمثل حزباً وهو وحزبه على موقف ورأي واحد وهو نقل السلطة سلمياً وتجنيب اليمن الفوضى.لم تنفع كل الضغوط التي مورست على صالح، أكان من دول الجوار أو غيرها، في دفعه إلى تغيير موقفه، وهو لا يزال منذ البداية يعلن أنه يريد نقلا سلميا للسلطة عبر المؤسسات الدستورية، بينما خصومه يطلقون التصريحات النارية التي في غالبيتها شخصانية، لكن ما نشاهده أن كفة الرئيس راجحة عند الناس، وهي تعبر عن الديمقراطية الحقيقية التي تعني حكم الغالبية مع حفظ حقوق الأقلية المعارضة، إلا أن ما يجري هو أن الأقلية تعمل لفرض ديكتاتوريتها، وما يعبر عن ذلك هو التهديد المستمر بالزحف على القصر الرئاسي والوزارات لاحتلالها، وهذا ليس من الديمقراطية في شيء، بل هو إشاعة الفوضى وحكم الغوغاء وهدم الدولة، وهذا هو ديدن الرأس الحامي لا يمنح صاحبه رؤية كافية للمخاطر، و هو في ثقافة العرب كثير الأذى لأنه يثير المطامع في الناس، لكن السلطان هو البعيد عن السلطان.نعم هناك مجموعات لا تريد الرئيس صالح في سدة الرئاسة، ومهما كانت كثيرة أو قليلة لا يمكنها أن تدفع إلى الفراغ بالسلطة ورمي البلاد في المجهول، فهل يمتطي صالح جوادا ويصعد الجبال الفاصلة بين اليمن والسعودية أو الصومال أو أي دولة مجاورة ويختفي من المشهد، أو يستقل طائرته ويهرب، ويترك خلفه الملايين من المناصرين الذين يحتشدون كل جمعة في الساحات مؤيدين له، فهل ستحاكم الأقلية تلك الملايين أيضا، أو تدفعها إلى الرحيل عن البلاد مع الرئيس؟لا يمكن لعشرات الآراء والإيديولوجيات التي تتنازع (اللقاء المشترك) أو أولئك المتظاهرين أن تتحكم في مسار الدولة، وتفرض وجهة نظرها على الناس بقوة أقلية تحتل الشارع، وهي فيما بينها لم تتفق على وجهة نظر واحدة حيال مستقبل الحكم في اليمن، ما يعني أن ما يجري هو فعلا دفع للبلاد إلى الانتحار.ومهما اختلفنا أو اتفقنا مع الرئيس صالح فهو حكم بلاده منذ33 عاما، وطوال تلك الفترة شهد اليمن الكثير من التوترات، ولولا قدراته لكانت الحروب الطائفية والقبلية والانفصالية نخرت البلاد وحولتها صومالا آخر، يخوض فيها كل زعيم ميليشيا الحروب الشرسة للاستيلاء على الحكم، بينما الرجل طوال تلك العقود استطاع أن يوحد بلاده و ينهي الكثير من صراعات الداخل، ويبني علاقات دولية متوازنة مع كل الدول، كل هذا لم تتذكره الأقلية المنادية برحيله وهدم كل ما بني، بل إن بعض تلك الأصوات ينفذ أجندات لن تخدم مستقبل اليمن واستقراره وعلاقاته الدولية.تلك القلة - مهما كثر عددها - تريد حكم اليمن من دون انتخابات ديمقراطية، لذلك لم نسمع من أحزاب اللقاء المشترك عن أي برنامج للمستقبل، وفي ظل هذا الوضع أليس من الأفضل لهم أن لا يتأخروا في التوقيع على المبادرة الخليجية ومعهم سيوقع الرئيس صالح، ونحن نصر عليه أن يوقع، لأنها تشكل الأرضية التي يمكن البناء عليها للانتقال السلمي للسلطة، وتفسح في المجال لانتخاب رئيس متفق عليه من الجميع، بدلا من الوقوع في الفوضى التي يعيشها كل من تونس ومصر، والتي من المحتمل أن تغرق سورية فيها إذا حدث ما حدث في تلك الدولتين.وختاماً نذكر بالمثل الشعبي القائل: «لن تعرف خيري حتى تجرب غيري».[c1]*رئيس تحرير (السياسة) الكويتية[/c]
لن تعرف خيري حتى تجرب غيري!
أخبار متعلقة