كنا في فضاءات ليلة خميس مضت، رائد صحافة الشباب منذ مطلع الستينات من القرن الذي مضى المربي الجليل والباحث التربوي الأستاذ عبدالحفيظ المعمري، والأديب الصحافي الصديق العزيز الأستاذ أحمد السقاف، وكاتب هذه السطور، في جلسة طيبة غلب عليها الأدب وظللتها شذرات من الفلسفة، ظهرت تجلياتها بعد أن أخذنا حديث القات إلى محطات شتى، مابين حلم وعلم في مواضيع العصر والساعة إلى أن حط بنا الرحال الزماني إلى الزمان بعينه. كيف لا وقد استفزنا الأستاذ المعمري أطال الله في عمره وجعلنا حبيسي الحيرة مع الذات، بسؤال سهل ممتنع كما يقولون تساءل ماالزمان؟ بعدها نهض يلملم أشياءه ويجمع أشتات (عدة) المقيل اللازمة من (صياني) القهوة إلى (الترموس) المخصصة للقهوة (المزغولة) وحافظة الماء المثلج جمعها كلها من أمامه ومن حواليه ثم انتفض مودعاً قائلاً: (تصبحان على خير) .. والى لقاء في يوم آت !! لا تنسيا أن من الشعراء ـ وهم كثر ـ من جعلوا الزمان دثاراً لأحوالهم حيناً وأعذاراً في بث لواعجهم ووجدهم وملامتهم أحياناً أخرى.وهكذا فعل المطربون حين أخذوا من منهل أولئك الشعراء وأطربونا به نغماً عذباً.أبو رياض أحمد السقاف .. التفت نحوي مبتسماً وكأنه يقول لي:(أبسط ياعم) !!! فالكرة في ملعبك، فأسهر مع الزمان لوحدك إن شئت واعلم أن الزمان حياة وفلسفة وإيمان. فإذا بتعليقه هذا قد وسع من دائرة مفهوم الزمان، ولم يبقه في أطار حال بعض الشعراء وأغاني المطربين .ثم مضى مسرعاً ليلحق بالمعمري. فلم يبق معي غير جعبة القات الوفير إلا نفسي أحاورها وتحاورني باحثين معاً عن إجابة لسؤال الأستاذ المعمري سامحه الله حينما لم يجد غير تلك الساعة ليقحمني في إشكالية مع الزمان.أحمد السقاف هو الآخر سامحه الله ترك لي الجمل بما حمل بعد أن أمن لنفسه مكاناً في سيارة المعمري تحسباً لقلة حركة سيارات الأجرة في ذلك الوقت المتأخر، إلا من قوله : (الزمان حياة وفلسفة وإيمان) .. هنا ومض في ذهني قول الشاعر.[c1]وما المرء إلا كالشهاب وضوئه يحور رماداً بعد إذ هو ساطع[/c]ومع أن الزمان أو الزمن في الفلسفة هو ظاهرة قائمة على الكون، والإنسان هو الذي وعاه فمنحه قيمته ومعناه ـ مادياً وأخلاقياً ـ ولولا الإنسان ما كان له دلالة أو شيء من ذلك بعد أن أوجدهما الخالق مع بقية مخلوقاته، وجعل بينهما جدلاً إلى يوم الدين. فلقد أحس به الإنسان وأدركه من خلال ملاحظته في انتقال الشمس من الشرق إلى الغرب وما يصاحب تلك الحركة أو ينتج عنها من تغيير يدل عليها كتعاقب الليل والنهار والزمن الذي بينهما وتتابع الفصول وتشكل السنين.الله سبحانه وتعالى قد جعل للزمان مفردات ومعاني شتى أوضح بها لعباده الصراط المستقيم .. العصر، الزمن ، الدهر، اليوم، السنة، الساعة، الليل والنهار، الشمس والقمر، وأخريات كثيرة، كما جعل من مفرداته ومعانيه قسمأً اقسم به للدلالة على وحدانيته وعظمته وجبروته، كذلك وصف نفسه بأنه الدهر أي الزمان كما جاء في الحديث القدسي.جاء في الباب السادس والخمسين في شكوى الزمان في مؤلف (المستطرف في كل فن مستظرف) للابشيهي انه روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أنه قال: (مامن يوم ولا ليلة ولا شهر ولا سنة والذي قبله خير منه، سمعت من نبيكم صلى الله عليه وسلم). وأن معاوية بن أبي سفيان يقول: (معروف زماننا منكر زمان قد مضى ومنكره معروف زمان لم يأت).دخل مسلمة بن زيد بن وهب على عبدالملك بن مروان فقال له: (أي الزمان أدركته أفضل؟ وأي الملوك أكمل؟ فقال: أما الملوك فلم أر إلا حامداً وذاماً، وأما الزمان فيرفع أقواماً، ويضع آخرين، وكلهم يذكر انه يبلي حديدهم ويفرق عديدهم ويهرم صغيرهم ويهلك كبيرهم لذلك قال الشاعر حبيب بن أوس اليماني:[c1]لم أبك من زمن لم أرض خلته إلا بكيت عليه حين ينصرم[/c]وقال آخر في معناه:[c1]يامنزلاً عبث الزمان بأهله فأبادهم بتفرق لا يجمعأين الذين عهدتهم بك مرة كان الزمان بهم يضر وينفعأيام لا يغشى لذكرك مربع إلا وفيه للمكارم مرتعذهب الذين يعاش في أكنافهم وبقى الذين حياتهم لا تنفعem: [email protected][/c]
أخبار متعلقة