قصة قصيرة
تسلل الصوت لسمعها كنداء بعيد، لكنه ما لبث أن يقترب تدريجيا، لتحس نبراته قرب أذنها، ما جعل عينيها تنفتحان ببطءٍ متردد، هو رد الفعل التكيفي الذي تمارسه عينان يباغتهما الضوء لحظات الإفاقة.. أصبحت الكلمات واضحة الآن! -أرجوك! استيقظي يا حبيبتي، فالساعة تقترب من الثامنة، هيا يا نور عيني وقرة قلبي لتتناولي الإفطار الذي جهزته لك بيدي هاتين..هيا ودعكِ من هذا الكسل يا أجمل الجميلات!داهمها الاستغراب، عيناها تدوران في وجهه مدفوعتان بشك مترسب، تتطلع باستعجاب لابتسامته الناضحة حبا ورقة، وحنو ألفاظه، يده المحتضنة كفها بوله، كل هذا اللامألوف يجعلها تهم بإقناع نفسها أنها لا زالت نائمة تحلم!! مؤكد أنها تحلم !وهو ببساطة سر هذا الانقلاب في تصرفات زوجها، التي وعتها وألفتها. كادت أن تفعل لولا أن شعورها بالصحو التام جعلها تتذكر، وجعل عقلها المبارح ضباب النوم يستعيد الأحداث الأخيرة، ليس في بيتها، أوحارتها، بل وما حل بالعالم. -نعم! لقد تغير كل شيء. دارت الدورة، حدث ما كان يجب أن يحدث منذ زمن بعيد ، لقد تغير الزمن ، وهبت رياحها!لذا ستنهض من فراشها بهدوء، ستتمطى بكل دلال ، سترمق زوجها من علو بكبرٍ وغنج ، ستتلذذ بمشهده واقفًا باستكانة كالخادم، منتظرًا تكرمها بالنهوض وتناول الإفطار الذي أعده بيديه!.ومبالغةً في استلذاذها بما يحدث، ستسأله ببرود ملكة إن كان قد جهز لها الحمام ! ، وستقذفه بكلمات تعنيف إن لم يفعل .. و...ـــ الحمام جاهز يا عزيزتي!. آآه ما دام كذلك فستكتفي بهذا الآن. في الحمام، والدش ينثر ماءه الدافئ على أجزاء جسدها، راحت تنثر شعرها المبتل، وتداعب أجزاءها ووجهها لتطرد خمول النوم، وباستمتاع راحت تواصل حمامها الصباحي، وتستمتع أكثر باستعادة وتذكر تفاصيل ما حدث.أحداث الانقلاب الدرامي، انقلابها، بل وانقلاب كل النساء، وراحت الأحداث تتوالى على عقلها كشريط سينمائي منفصل اللحظات، متصل الأحداث..كأنما تقرأها عناوين بارزة بصدور الصحف.. (وبدأ عصر النساء) .. (الانقلابات النسائية تتوالى بنجاح مثير في بقاع عدة من العالم)...(اتحاد النساء العالمي WWA، يدعو بقية الدول التي لا زال حكامها الرجال يواصلون المقاومة باستماتة إلى تسليم زمام الحكم للنساء سلمياً دون مجازر) ... ومظاهرات احتجاج رجالية.. (أعمال شغب ضد تولي النساء زمام الحكم).. (نجاح انقلابات النساء السلمية في “39” دولة حتى الآن وتواصل الانقلاب في دول أخرى).. (فرض بعض الانقلابات بالقوة في بعض البلدان ومصرع عدد من حكامها الرافضين تسليم الحكم للثائرات” و.. و... خرجت من حمامها والنشاط يملأ عروقها، وراحت تتناول إفطارها باستمتاع، طلبت منه بصوت آمر ممطوط أن يشغل التلفاز، وراحت تستمع لنشرة الصباح، غير عابئة بمتابعة أحداثها على الشاشة.. (هنأ اتحاد النساء العالمي اليوم جميع نساء العالم بمناسبة بدء عصر النساء ونجاح عمليات تسليمهن زمام الحكم في أغلب البلدان سلميا، ودعا الاتحاد كل النساء إلى التحلي بالهدوء والرزانة وضبط النفس في وجه بعض الاستفزازات الصادرة من بعض الرجال الشواذ الذين لا يزالون يرفضون أخذ المرأة لحقها ودورها في الحكم، ويصعب عليهم هضم وتقبل أن الأيام دول ... و...و... )وأصدر الاتحاد بعض القرارات المتعلقة بسياسة التعامل مع الرجل ومنها: 1. إبقاء الرجال في المنازل، وتوليهم أعمال المنزل المختلفة، واستبدال الأدوار السابقة كلها بما في ذلك كافة أغراض الخدمة والعناية بالبيت، مع الأخذ بالاعتبار منح بعضهم ممن لا يمكن الاستغناء عن أعمالهم كالعلماء والأطباء فرصة الخروج للعمل وتخصيص أوقات محددة لذلك لا تتعارض مع أوقات واجباتهم في خدمة البيت ورعاية شؤونه. .!!!2. توظيف كل أنثى وبأولوية قصوى فوق الثامنة عشرة في المجالات الملائمة وبحسب المؤهلات والخبرات. 3 ـ تحري عدم العنف ضد الرجال وعدم استغلال الصلاحيات الجديدة للمرأة واستخدامها بشكل سلبي مع الرجل وأقر الاتحاد العمل بهذه القرارات من وقته وتاريخه.. وراحت تتابع بقية الأخبار، وابتسامة انتشاء تتسع وتتسع داخلها و .. رن موبايلها ذو الشاشة الفسفورية المضيئة ، أجابت لتجد على الطرف الآخر أعز صديقاتها، تبادلنا التهنئة والقفشات الساخرة، بشرتها صديقتها أنها توظفت أخيراً بعد ركونها منذ تخرجها قبل سبع سنين وأنها ستتسلم عملها من الغد..ــ ..............................................!آه .. نعم، لقد جاء زمننا يا عزيزتي .ــ ............................................؟ــ لا !.. لا!! .. سوف نريهم كيف تحكم النساء!!ــ .................................................. ؟ــ لا لم أسمع آخر خبر!! ما هو هذا الخبر المفرح فقد غدت كل أخبارنا مفرحة، و..أخذت تستمع بإنصات وفجأة رفعت كفها في حركة خجل تغطي فمها وهي تسمع صديقاتها تواصل هاتفة عبر الموبايل :ـــ بل هو بشرى لكل نساء الأرض، قالوا أن هيئة الاتحاد العلمية أعلنت أن عالمات جليلات من عدة بلدان يواصلن الأبحاث والتجارب في مختبرات الهيئة لغرض تحقيق تكييف جسم الرجل وتهيئته بالزرع وجراحياً ليتولى الرجال مهمة الحمل والإنجاب!!وانفجرتا ضاحكتين،تفكران في مدى نجاح هذه الفكرة وكم ستسعد لها النساء، وعلقت هي :ــ أيوه ! علشان يحسوا!!،وتناولتا شئوناً أخرى في هذا العصر الجديد، وأحلاماً كانت موءودة راحت تتململ ناهضة في صدورهن، وراحت تتعجب كيف -ورغماًً عنها- يخالط شعور التشفي بالرجل إحساس بالشفقة نحو جنسه!ربما هو رثاء لحاله .لكنها اعترفت لنفسها أنها ومهما حدث فلن تستطيع المرأة الاستغناء عن الرجل و... ــ ما شاء الله!!، عاد أنا قلت بأرجع وأنتِ قد جهزت الغداء و بدل ذا أجدك جالسة تشخبطي بالأوراق! هيا وكيف!! رجعت حليمة لعادتها القديمة؟!كان صوت زوجها المعجون بالسخرية والعصبية بآن واحد.. أجفلت مذعورة، فقد كانت منغمسة في الكتابة لدرجة عدم إحساسها به وهو يفتح الباب بمفتاحه الخاص، عائدًا من عمله،بحركة لا إرادية أخفت ما بيدها من أوراق خلف ظهرهادفعته حركتها هذه لتشتعل لديه الرغبة و اللهفة الجارفة في معرفة ما كانت تكتب ومحتوى الأوراق .كانت تود الرفض أن لا تعطيه الأوراق حين مد يده آمراً وطالباً لهلكن لمعة النجمات على كتفيه، وإصراره المتحول لغضب تدريجيا جعلها تمد يدها مسلمة له الأوراق، وتركته يتطلع فيها بعينين فاحصتين بينما تعلقت نظراتها بيده الأخرى المتلاعبة أصابعها بالحزام الجلدي لبزته العسكرية، كم تخشى هذا الحزام!عندما انتهى من قراءة ما كتبته، وما أن سمعته يصرخ بعصبية رافق صراخه سماعها صوت تمزيقه بعنف لأوراق قصتها ورأته من طرف خفي يرميها للأرض ويعالج مفتاح حزامه ويزمجر :- و الله تمام!! رجعت لعادتك الزفت هذه؟؟ وأيش؟! اليوم معانا (عصر النساء)!وانقلاب ؟ ونسائي كمان !! وتريدين الرجال يحبلوا؟!!أنا شاوريك أن عصر !! وأين مغرب!! شاعصرك أنا الآن!! تكومت على نفسها، وتركته يفرغ غضبه كعادته، وراحت بعدها تتحسس أماكن بجسدها بألم، ودمعاتها تخالط أنينها المكتوم .لكنها راحت تغمغم لنفسها بخفوت وبلهجة عناد: (لابد أن يأتي عصر النساء! لابد!!) .صنعاء 2003 .