أضواء
جاءت على استحياء، تلفها قائمة التقاليد، منذ الوأد الأول، مروراً بالقيم في عصر الانحطاط الحضاري، تسأل هل من المعقول أن تنال المرأة حقوقها في هذه البقعة من العالم، في الوقت الذي سبقتها زميلاتها في دول عربية وفي العالم الثالث بمراحل طويلة؟ منذ كتابات قاسم أمين، ومنذ أن استعادت المرأة وعيها بأهمية دورها في الحياة العامة، طريق طويلة من الآلام والتضحية، وما تزال هي التي تقدم التضحية، وهي التي تقوم بكل الأدوار، وخاصة في دول الرفاهية. إنها ذلك المنجم الذي لا ينضب، في كل الظروف.هي الأرض والعرض، وهي العطاء الدائم، وهي المدانة دائماً منذ الأزل.وقد اخترع الرجل مقولة: إن وراء كل رجل عظيم امرأة. فلماذا لا تكون هي العظيمة. إنها أنانية الرجل، وجبروته الدائم. لست أدري لماذا تعود بي الذاكرة إلى نصف قرن من الزمان حينما قامت مجموعة من النساء بحرق العباءة، وهن اللواتي رأين أن ارتداء تلك السوداء ما هو إلا رمز من رموز العبودية والظلام... رمز التخلف الاجتماعي. لقد أدركت مجاميع من النساء أو من البشر أن التحرر قد يكون بالشكل وبالتخلص من السواد الذي يجعلهن رهينات لتقاليد مراحل التخلف الفكري، ومرحلة هيمنة الفكر الذكوري والذي يعود إلى آلاف السنين وخاصة بعد تراجع المرحلة الأموية في الحضارة الإنسانية. وإلا فأين المرأة المرشحة للرئاسة في الدول المتقدمة؟ألا توجد امرأة واحدة في الحزب الجمهوري أو الديمقراطي في أميركا ترشح نفسها للرئاسة؟ ولماذا يتم ذلك في الدول المتخلفة مثل الهند وسيريلانكا، وأندونيسيا، وبنغلاديش والباكستان وفي تركيا، أو غيرها، أم أن المرأة لابد وأن تكون وراء الرجل العظيم؟ ثم أليس مما يدعو للعجب أن تكون أغلب النساء اللواتي احتللن تلك المناصب العليا في الدولة من دول إسلامية، أو قريبة من حضارتها؟ ألا يعني هذا أن هؤلاء الذين يتشحون بالسواد الفكري ويسوقون المجتمع سوقاً إلى التعصب والجهل أبعد ما يكونون عن الإسلام. ذلك الإسلام الذي يعتبرونه دين الفطرة. ألم يروا أن إسلام الفطرة هو ذلك الإسلام المتسامح الذي يجد فيه الجميع على اختلاف الأعراق والأجناس والجنس مكانهم، وأن الإسلام الذي يحاولون فرضه قسراً على الناس ويحاولون من خلاله أن تحرم المرأة من كل حقوقها لا علاقة له بهؤلاء المسلمين الذين ترعرعوا في كهوف أفغانستان ويحاولون الآن أن يعششوا بين ظهرانينا حتى بعد أن طوى الزمن الملا عمر الذي اختاره خيرة مندوبيهم ليبايعوه «أميراً للمؤمنين» بعد أن نجح في الامتحان وحرم المرأة من التعليم والعمل والحياة.حاولت أن أخرج من هذه الأجواء التي تطالب بحقوق المرأة، وحقها في أن تكون على قدر المساواة مع الرجل، إلا أن الثقافة السائدة تحول دون ذلك. فمن أجمل الأحاديث على المستوى الاستهلاكي الحديث عن حقوق المرأة، إلا أن الواقع يؤكد عكس ذلك. فما العمل للخروج من هذه السوداوية القاتمة؟في هذه الأثناء برزت لي وجهة تلك الإنسانة الطفولية، حاملة السلاح في العقد السادس من القرن الماضي. إنه وجه طفول، تلك الإنسانة التي اعتقدت أن تحررها لا يتم إلا من خلال الكفاح المسلح. إيه يا طفول... يا رمز الوطن، ورمز الوعي بغدٍ أفضل. كان حلماً إلا أنه ما يزال حلماً لبني نوعك من النساء. حاولت أن أهرب من طفول إلا أن أخبار الملتقى الأول للمرأة العمانية، أعادتني من جديد للتفكير في أن المشروع ما يزال قائماً في بلد يقع في أقصى شرق الوطن العربي، هذه المرة بشكل مختلف يعتمد على الاقتصاد، ويناقش هموم المرأة العاملة في مجال صاحبات الأعمال.إنها مرحلة إعادة النظر في دور المرأة في العمل الوطني، وفي دورها الاجتماعي الاقتصادي السياسي. فلم تعد المرأة هي التي تقف وراء كل رجل ناجح، بل هي تبحث عن دورها في أن تكون المرأة الناجحة التي تقف أمام وطن متقدم. إن هذا يعني أن الصراع لم ينته، ولم يستطع الظلاميون أن يخنقوا صوت المرأة، ولم يستطيعوا أن يقنعوها ويقنعونا بأن مكان المرأة بيتها. فللمرأة مكان آخر في المجتمع تساهم فيه في البناء، وتسير جنباً إلى جنب مع الرجل، لا أمامه ولا خلفه... تحمل معه مسؤولية بناء المجتمع الديمقراطي. وفي المجتمع الديمقراطي لن يخنق صوت المرأة.لقد كان حلماً طويلاً منذ أيام الطفولة وقد يمتد إلى سنوات طويلة، لكن الإنسان سينال حقه في الحياة مهما كانت المعوقات. إن للتطور ثمناً في ظل العولمة والإنسان المقهور. أليس الاقتصاد هو المحرك الأول للتغيير؟ لست أدري.[c1]عن/ صحيفة (الاتحاد) الإماراتية[/c]