ترجمة الأدب العربي إلى الهندية
(ولئن كان فردوس في الأندلس، فلنا الفردوس الأكبر في شبه القارة الهندية) هذا ما يقوله الأستاذ علي الطنطاوي عن الهند في إحدى مقالاته عن الهند تحت عنوان (الفردوس المفقود في شبه القارة الهندية). وليس الطنطاوي مبالغا في ما قاله، فقد سجل التاريخ صفحات مشرقة من الحضارة الإسلامية على أرض الهند زهاء عشرة قرون. وفي هذه الحقبة الطويلة كان اهتمام المسلمين الهنود بالثقافة العربية والإسلامية عظيما، واستطاعوا تقديم إسهامات جليلة في مضمار الدراسات العربية والإسلامية. وهذا لا يهمنا في هذا المقام، بل ما يهمنا هو عناية الهنود بنقل التراث العربي إلى شتى لغاتهم. مما لاشك فيه أن أكبر اهتمام المسلمين كان بترجمة القرآن الكريم وتفسيره إلى اللغات الهندية. فتفيدنا المصادر الموثوق بها أن عدد تراجم القرآن الكريم إلى اللغات الهندية تربو على (200) ترجمة وتفسير منها فقط إلى اللغة الأردية 50 ترجمة. كما اعتنى الهنود بترجمة الأحاديث الشريفة إلى اللغات الهندية، وحظيت الأردية بنصيب الأسد فيها حيث يتجاوز عدد ترجمات الأحاديث فيها عن 70 ترجمة ما بين صغيرة وكبيرة. هذا إلى جانب الفنون الإسلامية الأخرى مثل الفقه وأصول الدين والتصوف وغيرها، فنقل الهنود أمهات الكتب في الفقه، والشريعة الإسلامية إلى لغاتهم المختلفة. أما فيما يتعلق بترجمة الكتب الأدبية في الماضي، فأهم الكتب المترجمة هي مقامات الحريري التي قام بترجمتها إلى الأردية وشرحها مولوي أوحد الدين البلغرامي ومولوي روشن علي الجونبوري والمفتي إسماعيل بن وجيه الدين المرآدبادي وغيرهم، وديوان المتنبي الذي ترجمه وشرحه بالأردية مولوي ذوالفقار علي الديوبندي ومحمد بن احمد الطوكي وحسن جيد وغيرهم، وديوان الحماسة الذي ترجمه وشرحه مولوي ذوالفقار علي الديوبندي والشيخ فيض الحسن السهارنبوري وغيرهما، والمعلقات السبع التي ترجمها وشرحها بالأردية أكثر من واحد على رأسهم فيض الحسن السهارنبوري، وقصيدة (بانت سعاد)، وقصيدة (البردة) للبوصيري اللتان تتوافر لهما ترجمات وشروح عديدة مقبولة جدا في الهند. وفي فن التاريخ نقل الهنود إلى اللغات الهندية مذكرات رحلة ابن بطوطة وابن جبير وابن خلدون وتاريخ الطبري وابن الأثير وفصوص الحكم وحكمة الإشراق والملل والنحل وغيرها الكثير من أمهات الكتب في التاريخ والطب. بهذه المناسبة يذكر أن بعض الجمعيات والمؤسسات قامت بدور عظيم في نقل التراث العربي إلى اللغات الهندية قبل استقلال الهند في عام 1947 ومنها كلية فورت وليم (تأسست عام 1800). ومن أهم الكتب التي قامت بنقلها إلى اللغات الهندية هي (فصوص الحكم)، و(ألف ليلة وليلة)، و(هداية الإسلام)، و(لوامع الإشراق في مكارم الأخلاق)، و(أخوان الصفا). كما قامت دار الترجمة العثمانية بحيدرآباد (تأسست عام 1917) بدور كبير في نقل العلوم والفنون من اللغة العربية إلى اللغة الأردية، وذلك وفاء باحتياج طلاب المدارس والجامعات من المقررات الدراسية في شتى العلوم باللغة الأردية، لأن الأردية كانت لغة التعليم الرسمية في ولاية حيدر آباد المسلمة قبل الاستقلال. قامت المؤسسة بتكوين لجنة مكونة من الأدباء والمترجمين الماهرين لنقل الكتب من اللغات المختلفة على رأسها اللغة العربية إلى الأردية ونجحت في غضون ثلاثين سنة في ترجمة وطبع 356 كتاباً. هذا إلى جانب تكوينها لمجلس لوضع المصطلحات العلمية والفنية في اللغة الأردية الذي تكون من 5 لجان فرعية هي لجنة للطبيعيات والكيماوية والرياضيات ولجنة الفنون للفلسفة والعلوم المعمارية والتاريخ والجغرافية ولجنة لعلوم الإحياء ولجنة للطب ولجنة للهندسة. ومن أهم الكتب التي تناولتها هذه المؤسسة للترجمة إلى الأردية (الملل والنحل)، و(الإحاطة في أخبار غرناطة) للوزير لسان الدين بن الخطيب، و(التاريخ الكامل) لابن الأثير، و(تاريخ اليعقوبي) و(تاريخ الطبري)، و(الطبقات الكبرى) للواقدي، و(فتوح البلدان) لأحمد بن يحيى بن جابر البغدادي، وكتاب (الوزراء) للصابي، و(المباحث الشرقية) للرازي، و(مروج الذهب) للمسعودي، و(نفح الطيب) للشيخ أبوالعباس المقري. بعد استقلال الهند عام 1947 ضعفت العناية بنقل التراث العربي إلى اللغات الهندية لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها هنا، إلا أن العدد الكبير من المدارس الدينية القائمة في طول البلاد وعرضها وأكثر من 40 جامعة حكومية يوجد بها قسم للغة العربية وآدابها اعتنت بنقل التراث العربي إلى اللغات الهندية إلا أن أغلبية الكتب العربية المترجمة تتعلق بالمواضيع الدينية والدعوة الإسلامية باستثناء بعض الكتب الأدبية، وهي على سبيل المثال لا على سبيل الحصر (أنا) لعباس محمود العقاد التي نقلها إلى الأردية مقتدى حسن الأزهري، و(حكايات حارتنا) لنجيب محفوظ التي نقلها إلى الأردية عبدالحق شجاعت علي، كما قام الأخير بنقل قصائد الشعراء العرب من أمثال: محمود درويش، وفوزي الأسمر، وتوفيق فياض، وحنا إبراهيم، وغيرهم إلى الأردية، وقام الأستاذ أسلم الإصلاحي بترجمة مسرحيات (شهرزاد) و(سليمان الحكيم) و(أهل الكهف) لتوفيق الحكيم إلى الأردية، وترجم حكيم سيد عبدالباقي سطاري (الأيام) لطه حسين إلى الأردية. وترجم بدرالدين الحافظ قصصاً كاملاً إلى الأردية، كما ترجم حبيب اشعر دهلوي (ماجدولين) للمنفلوطي إلى الأردية. ويبلغ عدد الكتب المترجمة من العربية وإليها بعد استقلال الهند حسبما ذكره مؤلف كتاب (الترجمة العربية في الهند بعد الاستقلال) الدكتور حبيب الله خان يبلغ 294 كتابا في مختلف الموضوعات. وقبل أن انتهي من هذا الملخص أرى من المناسب أن اذكر أن المركز الثقافي العربي - الهندي التابع للجامعة الملية الإسلامية بنيودلهي قد تبنى مشروعا عظيما لترجمة الأعمال الأدبية والفكرية من العربية وإليها، وذلك بالتعاون مع هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، وفي ضمن ذلك قام المركز الثقافي بالتعاون مع الهيئة المذكورة بترجمة ونشر ثمانية أعمال أدبية معظمها مجموعات قصصية عربية إماراتية إلى الأردية والهندية ويجري ترجمتها إلى الماليالام، كما أن الدفعة الثانية من ترجمة الأعمال العربية (6 أعمال نثرية وشعرية) إلى اللغات الأردية والهندية والماليام تجري حالياً ويتوقع صدورها حتى شهر ديسمبر/كانون الأول من العام الحالي، هذا إلى جانب ما قام به المركز من ترجمة ثمانية من الكتب الإنجليزية المهمة حول الهند والتي نشرت العام الماضي. كل هذا الاهتمام في ربوع الهند بنقل التراث العربي إلى اللغات الهندية وحفظه ونشره ينبع من صميم ارتباط المسلمين بالإسلام والثقافة العربية وحبهم لهما دون أي دعم مادي أو معنوي من الدول والحكومات العربية. أليس ذلك يدعو العرب إلى وقفة تأمل إزاء هذا الوضع؟• ملخص لورقة بحثية قدمت في ندوة العربي (العرب يتجهون شرقاً) الكويت ـ يناير/كانون الثاني 2011.